رأى خبراء سياسيون فرنسيون أن المحادثات بين إيران والدول الأوروبية (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) في إسطنبول تمثل اختبارًا حاسمًا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وسط تصاعد التوترات الإقليمية والضغوط الداخلية على طهران.
وينظر باحثون متخصصون في الشؤون الإيرانية إلى هذه المحادثات بوصفها قد تكون فرصة أخيرة لإنقاذ الاتفاق، أو خطوة نحو مزيد من التصعيد إذا فشلت في تحقيق تقدم ملموس.
وفي 13 مايو/أيار الجاري، أعلنت مصادر دبلوماسية عن استئناف المحادثات النووية بين إيران والدول الأوروبية الثلاث في إسطنبول، بعد تأجيلها في الثاني من الشهر ذاته بسبب المخاوف من تقويض الجهود الأمريكية.
وتهدف هذه المحادثات إلى تقييم المواقف الأوروبية بشأن إمكانية إعادة فرض العقوبات على إيران، وهو ما حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من عواقبه الوخيمة، مؤكدًا أن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق النووي بشكل نهائي.
من جهة أخرى، اختتمت إيران والولايات المتحدة الجولة الرابعة من المفاوضات النووية في مسقط، في 11 مايو/أيار، وسط أجواء من التوتر والضغوط المتبادلة.
وفي هذه الجولة، تمسك الجانب الإيراني بموقفه بعدم التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم، بينما طالبت الولايات المتحدة بوقفه تمامًا.
وتأتي هذه المحادثات في وقت حساس، حيث تقترب مهلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق من نهايتها، مما يزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي.
في هذا السياق، قال الباحث الفرنسي في الشؤون الإيرانية، تييري كوفيل، لـ"إرم نيوز" إن إيران تسعى إلى الحصول على ضمانات اقتصادية وسياسية ملموسة مقابل التزامات نووية، وهو ما قد يكون صعب التحقيق في ظل الضغوط الدولية.
أما الباحثة دومينيك لورنز فأشارت لـ"إرم نيوز"، إلى أن فرنسا قد تستخدم الجمود في المحادثات النووية للضغط على إيران، خاصة في ظل صفقات الأسلحة الأخيرة مع دول الخليج.
من جهته، قال فرانسوا نيكولا، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بباريس والمتخصص في قضايا الشرق الأوسط، لـ"إرم نيوز" إن المفاوضات الحالية تعكس "نقطة توازن دقيقة بين الضغط السياسي والفرصة الدبلوماسية".
وأضاف: "إيران تلعب ورقة الوقت جيدًا. فهي تدرك أن أوروبا لا تريد انفجارًا إقليميًا جديدًا، لكنها أيضًا تتعامل مع إدارة أمريكية غير متوقعة في قراراتها. المحادثات في إسطنبول ليست فقط تقنية، بل سياسية بامتياز، وقد تحدد شكل العلاقات الغربية – الإيرانية للسنوات القادمة".
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، يضغط الرئيس الأمريكي على إيران للتفاوض على اتفاق جديد. وقد صرح الخميس بأن بلاده وإيران تقتربان من هذا الهدف.
ووفقًا لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، فإن محادثات الجمعة في إسطنبول ستُعقد على مستوى نواب وزراء الخارجية. وقد أكدت مصادر دبلوماسية فرنسية انعقاد الاجتماع.
وتشعر الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إسرائيل، التي يعتبرها بعض الخبراء القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، بالقلق من احتمال سعي إيران لامتلاك سلاح نووي. وهو ما تنفيه طهران بشدة، مؤكدة أن برنامجها النووي مخصص لأغراض مدنية بحتة.
وفي مقال نُشر الأحد على موقع مجلة "لوبوان" الفرنسية، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الدول الأوروبية من تبني "استراتيجية المواجهة"، قائلًا إنها قد تؤدي إلى نتائج كارثية.
وفي أواخر أبريل/نيسان، صرح وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو أن مجموعة E3 (المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا) "لن تتردد ولو لثانية واحدة" في إعادة فرض العقوبات على طهران إذا شعرت أن أمن أوروبا مهدد من قبل البرنامج النووي الإيراني.
ويشير الدبلوماسيون الأوروبيون إلى أن لديهم الحق في تفعيل آلية "سناب باك" (Snapback) المنصوص عليها في اتفاق 2015 لإعادة العقوبات الدولية على إيران.
وحذّر عراقجي من أن "هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى أزمة انتشار نووي عالمية ستؤثر بشكل مباشر على الأوروبيين أنفسهم"، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن بلاده "مستعدة لفتح صفحة جديدة" في علاقاتها مع أوروبا.
وتأتي هذه المحادثات في إسطنبول بعد أقل من أسبوع على جولة مفاوضات رابعة غير مباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط.
وكان ترامب أعاد إطلاق سياسة "الضغط الأقصى" على إيران، داعيًا إياها إلى توقيع اتفاق جديد، ملوّحا باللجوء إلى الخيار العسكري إذا فشلت الجهود الدبلوماسية.
والخميس، كشف موقع "أكسيوس" الأمريكي أن إدارة ترامب قدّمت مقترحًا مكتوبًا لاتفاق نووي إلى إيران خلال جولة المفاوضات الأخيرة.
وفي خطاب ألقاه الثلاثاء في الرياض، قال ترامب إنه مدّ "غصن زيتون" إلى القادة الإيرانيين، مشيرًا إلى أن العرض "لن يبقى مطروحًا إلى الأبد".
وفي مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز"، صرح علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بأن طهران "مستعدة للتعهد بعدم إنتاج أسلحة نووية أبدًا، والتخلص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وقصر التخصيب على المستويات المدنية، والسماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإشراف على البرنامج، شرط رفع فوري وشامل للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.