قال رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية سنابرق زاهدي، إن النظام الإيراني فقد غطاءه الإقليمي بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، التي يمر بها حاليا هي الأقسى منذ العام 1979.
وأضاف في حوار مع "إرم نيوز"، أنّ المجلس الوطني للمقاومة يملك رؤية سياسية متكاملة لإيران ما بعد النظام، تقوم على الديمقراطية، وفصل الدين عن الدولة، والمساواة بين المواطنين، مشيرًا إلى أنّ هذا المشروع يحظى بدعم دولي واسع من برلمانات وقادة سياسيين حول العالم.
وشدّد زاهدي على أنّ وحدات المقاومة في الداخل الإيراني أصبحت أكثر تنظيمًا وتأثيرًا، وتلعب دورًا محوريًا في تأجيج الانتفاضات الشعبية وتنظيمها، معتبرًا أن النظام فقدَ غطاءه الإقليمي، وتلقّى صفعات متتالية داخلية وخارجية.
وتطرّق زاهدي إلى ما وصفه بـ"الخسائر الكبرى" التي لحقت بالشعب الإيراني نتيجة سياسات النظام، اقتصاديًا واجتماعيًا، مجددًا التأكيد على أنّ البديل جاهز، وأنّ إسقاط النظام لن يعني الفوضى، بل بداية مرحلة جديدة من حكم ديمقراطي تعددي.
وتاليًا نص الحوار كاملًا، الذي بدأ بطرح سؤال مفاده :"في ضوء التطورات الأخيرة في إيران، كيف ترون ملامح مستقبل البلاد؟ وما الدور الذي تعتقدون أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يمكن أن يلعبه في هذه المرحلة الدقيقة؟".
أجاب زاهدي بالقول، إن النظام الحاكم في إيران، كان حتى قبل الحرب الأخيرة، يواجه أزمات اقتصادية واجتماعية مستعصية، إلى جانب سخط شعبي واسع النطاق، وحتى كبار مسؤولي النظام كانوا يحذّرون من أن الوضع في إيران قابل للانفجار، وأنّ انتفاضة شعبية جديدة قد تندلع في أيّ لحظة. والنظام يعرف أفضل من الآخرين أن الانتفاضة القادمة ستكون أشدّ وأوسع.
وأضاف: "أما القوى التابعة للنظام في المنطقة، والتي كانت تشكّل دروعًا واقية له، فقد تم تدميرها أو تحييدها إلى حدّ كبير. وكان (المرشد الأعلى آية الله علي) خامنئي يتوهّم أنه من خلال إشعال الحروب في المنطقة يتمكن من التغطية على أزماته الداخلية، ويقدّم نفسه كقوة إقليمية مهيمنة. لكنّه أخطأ في الحسابات، والنار التي أشعلها طيلة أربعة عقود في المنطقة، وأحرق بناره الملايين من المسلمين العرب في سوريا والعراق واليمن ولبنان وفلسطين وغيرها من الشعوب المقهورة، نرى اليوم أنها وصلت إلى بيته".
وأكد زاهدي أن "الديكتاتورية الدينية تمرّ اليوم بأضعف حالاتها منذ العام 1979. والأسباب واضحة: انهيار اقتصادي لا يمكن السيطرة عليه، عجز تام عن توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والغاز والماء، تفشّي الفساد على كل المستويات وقمع مستمر ضدّ الشعب، وهي العوامل التي فجّرت انتفاضة العام 2022".
واعتبر أن التطورات الأخيرة قرّبت النظام خطوة إضافية نحو السقوط. فقد خامنئي دروعه الإقليمية التي بناها من خلال مرتزقته، وتلقى النظام صفعة قاسية في الانتخابات التشريعية والرئاسية العام 2024، حيث قاطعها الشعب بشكل واسع. لذلك، فإنّ الشروط اللازمة لإسقاط هذا النظام باتت متوفّرة أكثر من أي وقت مضى خلال الـ46 عامًا الماضية.
وفي رده على سؤال: هل تعتقدون أن النظام الإيراني بات فعليًا على حافة الانهيار بعد الحرب الأخيرة؟ وإن كان كذلك، ما هو البديل المطروح؟ وهل المجلس الوطني للمقاومة مستعد لتولي دور سياسي أو انتقالي في حال حدوث تغيّر مفاجئ في السلطة؟
أكد زاهدي أن إيران تشهد اليوم ظروفًا مختلفة جذريًا وأكثر تأزمًا وخطورة من أي وقت مضى. أولًا، النظام بات أضعف بكثير ممّا كان عليه في السابق. فقد تفاقم غضب وكراهية الشعب تجاهه بشكل غير مسبوق، وتقلّصت قاعدته الاجتماعية إلى حدّ كبير. أما الوضع الاقتصادي، فهو كارثي بكل المقاييس، والبلاد على حافة الإفلاس. المجتمع في حالة انفجار فعلي وجاهز للانتفاض في أية لحظة.
وأوضح أنه على مدى السنوات الأخيرة، شهدت إيران حركات اجتماعية متواصلة تركزت أساسًا حول القضايا المعيشية والاقتصادية. ففي العام الإيراني 1403 (الممتد من 21 مارس 2024 إلى 21 مارس 2025)، تم تسجيل ما لا يقل عن 3,092 حركة احتجاجية، شاركت فيها 17 قطاعًا مختلفًا من مكوّنات المجتمع الإيراني، من بينهم المعلّمون، الطلاب، المزارعون، سائقو الشاحنات، الخبّازون، المتقاعدون، الممرّضون وغيرهم.
ولفت زاهدي إلى أن تلك الأرقام تعكس مدى عمق الاستياء الاجتماعي، واستعداد المجتمع الإيراني أكثر من أي وقت مضى للدخول في مرحلة تحوّل جذري نحو تغيير شامل.
ومضى قائلًا: إن النظام الإيراني ومؤيديه، وكذلك كل من يخشى من سقوطه، يروّجون لفكرة مفادها أنه لا يوجد بديل حقيقي لهذا النظام، وأنّ سقوطه سيؤدي إلى فوضى شبيهة بما حدث في سوريا أو العراق أو أفغانستان، أو أنّ إيران ستواجه خطر الانقسام والتقسيم.
ونوه زاهدي إلى أن هذه التحليلات لا تتطابق مع واقع المجتمع الإيراني، بل تُستخدم كأداة لتخويف الرأي العام ولخدمة بقاء النظام. على العكس، هناك بديل حقيقي يملك رؤية واضحة، وسجلًا طويلاً من النضال المستمر ضد هذا النظام الديني الاستبدادي، وهو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يدخل عامه الرابع والأربعين. أما منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، العمود الفقري لهذا المجلس، فتدخل الذكرى الستين لتأسيسها.
كما أكد أن هذه المقاومة انطلقت منذ البداية بهدف إقامة جمهورية ديمقراطية، غير نووية، تقوم على فصل الدين عن السلطة، والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وضمان حقوق القوميات، وسلطة قضائية مستقلة، وإلغاء عقوبة الإعدام، والعيش في سلام وتعاون مع الجيران.
وشدد زاهدي على أن كلّ هذه المبادئ وردت بوضوح في البرنامج السياسي الذي أعلنه المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ أكثر من أربعة عقود، وأكّد فيه التزامه ببناء نظام تعددي حديث، يكون فاعلًا من أجل الاستقرار والسلام الدائم في منطقة الشرق الأوسط.
وردا على سؤال: يتحدث البعض عن انقسامات داخل المعارضة الإيرانية في الخارج. كيف تردّون على هذا؟ وهل هناك أي جهود لتوحيد الصفوف من أجل رسم مستقبل ما بعد نظام الجمهورية الإسلامية؟
أجاب زاهدي قائلًا: "أنشأ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وخاصة عموده الفقري منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، شبكات واسعة في مختلف أنحاء البلاد. وتُعدّ وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق، المؤلفة من رجال ونساء شجعان يمثلون مختلف أطياف الشعب الإيراني، القلب النابض لحركة المقاومة داخل الوطن. وتقوم هذه الوحدات بتنظيم الاحتجاجات، ونشر المناشیر المناهضة للنظام، وكسر جدار الرقابة والخوف الذي فرضته الديكتاتورية الدينية".
وأكد أن القوى المنظمة للمقاومة، التي تلعب دورًا حاسمًا في توجيه انتفاضات الشعب، توسّعت أكثر من أي وقت مضى. فقبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت وحدات المقاومة تحقق تقدّمًا مستمرًا، واليوم أصبحت أكثر تنظيمًا، وانضباطًا، وانتشارًا على المستوى الوطني؛ ما يجعلها قادرة على تحويل الغضب الشعبي إلى انتفاضات هادفة ومستدامة.
وأضاف زاهدي أنه في العام 2024، نفّذت وحدات المقاومة ما لا يقل عن 3,077 عملية ميدانية ضد مقارّ وقواعد تابعة لقوات الحرس وأجهزة القمع الأخرى. إضافة إلى ذلك، جرت أكثر من 39,000 فعالية رمزية وشجاعة في مختلف المدن الإيرانية، شملت حرق صور رموز النظام، وتعليق صور وملصقات قيادة المقاومة على الجسور، وكتابة الشعارات الثورية والرسم على الجدران في الساحات العامة.
ونوه زاهدي إلى أن كبار مسؤولي النظام - بمن فيهم خامنئي نفسه ورئيس البرلمان - اعترفوا مرارًا بالدور المحوري لمجاهدي خلق في إثارة انتفاضات 2018 و2019 و2022 وتنظيم المقاومة على نطاق أوسع.
وأوضح أن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية شكّل من أجل توحيد فصائل المعارضة الديمقراطية الإيرانية، ويضمّ ممثلين من مختلف مكوّنات الشعب الإيراني من الأقليات الدينية والعرقية. كما أن أكثر من نصف أعضاء هذا المجلس من النساء ذوات مختلف الاختصاصات منحدرات من مختلف مناطق إيران، من أذربيجان إلى بلوشستان وال كردستان والأهواز، وبطبيعة الحال المناطق الفارسية كطهران وأصفهان ومشهد وشيراز.
وردا على سؤال بخصوص الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية، قال زاهدي: "بدل أن أتحدث عن الأضرار التي لحقت بإيران والشعب من خلال الحرب الأخيرة، أريد أن أتحدث عن الخسائر التي لحقت بإيران وبالشعب الإيراني من خلال نظام ولاية الفقيه. فمنذ 47 عامًا من الحكم الديكتاتوري المطلق، ترك هذا النظام آثارًا واسعة على مختلف جوانب الحياة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى الجغرافية في إيران".
ولخص زاهدي الأضرار والخسائر التي لحقت بالبلاد على النحو التالي: إذ تراجعت قيمة العملة الإيرانية آلاف المرات، وارتفع التضخم، وانتشرت البطالة، وتدهورت معيشة المواطنين، وكان هناك قمع للاحتجاجات الشعبية بعنف، كما حصل في احتجاجات 2009، 2017، 2019، و2022.
وشملت الأضرار، وفقًا لزاهدي، اعتقالات تعسفية، إعدامات سياسية، ومحاكمات غير عادلة. إعدام أكثر من مائة من أعضاء وأنصار منظمة "مجاهدي خلق"، وقمع النساء وحرمانهن من أبسط حقوقهن وجعلهن نصف إنسان في جوانب عديدة من الحقوق، وقمع الأقليات العرقية من الأكراد والبلوش والعرب وغيرهم، والأقليات الدينية من أهل السنة والمسيحيين واليهود والزرادشتيين.
وتضمنت أيضًا تقييد حرية التعبير والصحافة والإنترنت، وتبديد ثروات الشعب في بلد غني بموارده وخيراته ومعادنه، وما يفوق 80٪ من أبناء الشعب يعيش تحت خط الفقر، وتركيز السلطة في يد شخص واحد يسمى الولي الفقيه، ومؤسسات غير خاضعة للمحاسبة (مثل الحرس الثوري ومؤسسات تابعة له)، وانتشار الفساد في هذه المؤسسات.
كما اشتملت الأضرار على صرف مئات مليارات الدولارات على مشاريع خارجية ودعم جماعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بينما الشعب يعاني من الفقر، وإنفاق أكثر من ألفي مليار دولار على المشروع النووي بشكل صرف أموال أو خسائر لحقت بإيران وبالشعب بسبب هذا المشروع اللاوطني.
كما تضمنت هجرة الأدمغة والعقول بسبب القمع وغياب الفرص، حيث أصبحت إيران ذات الرقم القياسي في هذا المجال، وإهمال البنية التحتية، خصوصًا في المناطق الفقيرة، وتدهور النظام الصحي، خصوصًا أثناء جائحة كورونا نتيجة سوء الإدارة، وسيطرة قوات الحرس على جميع مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها.
وختم زاهدي حديثه بالقول: "يمكن القول إنّ نظام ولاية الفقيه جعل من إيران، التي من شأنها أن تكون دولة غنية وواعدة واحة من الرفاهية والبناء والديمقراطية، إلى دولة تُعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، وفقدت مكانتها على الساحة الدولية، وأثقلت كاهل شعبها".
شاهدوا أيضاً: حرب إيران وإسرائيل من الظل إلى مواجهة مباشرة طالت النووي الإيراني