logo
العالم
خاص

لا "صفقة كبرى" ولا حرب.. مفاوضات النووي الإيراني تدخل "مرحلة الغموض"

لا "صفقة كبرى" ولا حرب.. مفاوضات النووي الإيراني تدخل "مرحلة الغموض"
ترامب وخامنئي ونتنياهوالمصدر: إرم نيوز
26 مايو 2025، 7:30 ص

دخل الملف النووي الإيراني، في النصف الثاني من شهر مايو/أيار، مرحلة غامضة، إذ من المفترض بأن مهلة الستين يوماً التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي قد انتهت، أو أوشكت على الانتهاء.

وأُشير للمرة الأولى إلى هذه المهلة في منتصف مارس/آذار، عندما نقلت وسائل إعلام أمريكية عدّة أن رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي، في مطلع مارس/آذار، حدّدت مهلة لمدة شهرين فقط للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.

أخبار ذات علاقة

وزارة الخارجية الإيرانية

لقاء إيراني أوروبي في إسطنبول لمناقشة الملف النووي ورفع العقوبات

لاحقًا، نقلت "القناة 12" الإسرائيلية، في 8 أبريل/نيسان، أن ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي، خلال لقائهما في البيت الأبيض، بأن هناك مهلة 60 يوماً للمفاوضات النووية تبدأ مع انطلاق المفاوضات الأمريكية-الإيرانية، في 12 أبريل/نيسان.

لم يُلزم الرئيس الأمريكي نفسه علنًا بأي مهلة زمنية للتوصل إلى اتفاق نووي أو للمضي نحو خيارات أخرى. إلا أن مسار المفاوضات لا يشير حتى الآن إلى تحقيق خرق نوعي. فجلسة المفاوضات الخامسة، التي عُقدت في روما في 23 مايو/أيار، جاءت وسط فتور كبير، ولم تدم سوى ثلاث ساعات، بل كانت على وشك أن تُلغى قبل أن تنطلق.

كشفت الجولات الخمس للمفاوضات عن تغيّرات مهمّة في المواقف الأمريكية والإيرانية. فقد تراجعت نبرة التهديدات الأمريكية، وباتت إيران أكثر ثقة في رسم الخطوط الحمراء للمفاوضات والتلويح بالانسحاب.

فكيف تبدو حسابات كل من طهران والإدارة الأمريكية اليوم، وإلى أين يمكن أن يمضي الملف النووي الإيراني؟

حسابات طهران

في الظاهر، باتت المفاوضات النووية متمحورة حالياً حول عمليات تخصيب اليورانيوم، التي تجريها إيران حالياً عند مستوى 60%، بينما تطالب الإدارة الأمريكية بإيقافها بالكامل، علمًا بأن الاتفاق النووي المُوقَّع في 2015 يسمح بالتخصيب إلى مستوى 3.67%.

إلا أن المفاوضات، من منظور التيار المتشدد في طهران، الذي يسيطر على مفاصل الحكم، لا تتعلق بالتفاصيل التقنية للملف النووي، بل بصوابية أو خطأ الاستراتيجية التي تبنّاها هذا التيار خلال العقود الماضية.

ورأت مصادر مطلعة على المحادثات النووية أن التنازل والتخلي عن حقوق تخصيب اليورانيوم يعني أن هذا الملف لم يكن سياديًا، ويعني أن العقوبات والضيق اللذين تحمّلهما الإيرانيون لأكثر من عقدين لم يكن لهما مبرر. 

وبحسب المصادر فإن هذا التنازل يعني كذلك، أن التيارين الإصلاحي والمعتدل كانا محقّين في المطالبة بعلاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، والتوقّف عن تبنّي سياسة تقويضية في الشرق الأوسط.

وقالت المصادر في تصريحات أدلت بها لـ"إرم نيوز" إن التنازل لمطالب الإدارة الأمريكية سيُقرأ أيضًا على أنه اعتراف من التيار المتشدد بعدم إمكانية مواجهة الولايات المتحدة و/أو إسرائيل. وبالتالي، يصبح كل ما قام به حلفاء إيران في الشرق الأوسط مجرّد عبث يفتقر إلى أي هدف استراتيجي.

ويدرك التيار المتشدد في إيران أن التنازل في الملف النووي قد يكون بداية تساقط لا تُعرَف نهايته لأحجار دومينو النفوذ الإيراني في المنطقة. ولكل هذه الأسباب، قاوم التيار المتشدد خلال جلسات المفاوضات الخمس تقديم أي تنازل في ملف تخصيب اليورانيوم، وامتنع عن تقديم أي تنازل يتجاوز ما ورد في الاتفاق النووي الموقّع في 2015.

وراهن التيار المتشدد على الوقت. فأمضى الإيرانيون أكثر من شهر بعد تسلّمهم رسالة ترامب قبل أن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات لأول مرة، في 12 أبريل/نيسان.

وعندما جلسوا للتفاوض، تجنّبوا المفاوضات المباشرة، وتعمدوا إهدار الوقت في عملية نقل الرسائل خطيًا، عبر الوسيط العُماني، إلى المبعوث الأمريكي الخاص ستيفن ويتكوف، الحديث العهد بالملف النووي وتعقيداته التقنية والتفاوضية.

وكانت النتيجة عقد أربع جلسات مفاوضات قبل الوصول إلى الملف الإشكالي الرئيس: ملف تخصيب اليورانيوم. ولكن خلال هذه الفترة، كان الحماس الأمريكي للجوء إلى الخيار العسكري يتراجع بوضوح.

أخبار ذات علاقة

دونالد ترامب

ترامب: عقدنا محادثات "جيدة للغاية" مع إيران مطلع الأسبوع

وكانت الإدارة الأمريكية قد حشدت قواتها في المنطقة، بما في ذلك ثلث أسطولها من القاذفات الاستراتيجية الشبحية من طراز "B-2"، وذلك تحضيرًا لضربة عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية إذا ما انتهت مهلة الشهرين دون تحقيق الخرق المنتظر. لا يمكن الجزم بأن إيران شجّعت الحوثيين على تحمّل الضربات وعدم تقديم تنازل يسمح للإدارة الأمريكية بإعلان الانتصار.

لكن من المرجّح أن التيار المتشدد في إيران راهن على أن تعثّر الولايات المتحدة في تحقيق أهداف ملموسة من عمليتها العسكرية في اليمن، التي انطلقت في 18 مارس/آذار، سيجعلها أقل حماسة للمضي نحو الخيار العسكري ضد المواقع النووية الإيرانية.

وبدا هذا الرهان غير عقلاني في أواخر مارس/آذار أو مطلع أبريل/نيسان، ولكن الرهان على الوقت كان الخيار الوحيد المتاح للتيار المتشدد في طهران، ولسان حالهم يقول: "لماذا نسارع إلى الاستسلام؟".

وفي 6 مايو/أيار، أعلن ترامب بشكل مفاجئ نهاية العملية العسكرية الأمريكية في اليمن. وخلال زيارته لقطر، في 15 مايو/أيار، عكست تصريحاته تجنبه الخيار العسكري، الذي اعتبره فخًا يدفعه "آخرون" للوقوع فيه.

ولعل التغيير في مواقف ترامب هو ما شجع إيران على الانتقال نحو التصلب والتصعيد. فقبيل جلسة المفاوضات الخامسة، لوّحت إيران بالانسحاب من المفاوضات، وأعلن المرشد خامنئي، في 20 مايو/أيار، أنه من غير المرجح أن تنجح المفاوضات الحالية.

كما أعلن وزير الخارجية الإيراني، في 22 مايو/أيار، أن مطالب الولايات المتحدة في المفاوضات النووية "غير منطقية". وفي 23 مايو/أيار، يوم جلسة المفاوضات الأخيرة، أصدر الحرس الثوري الإيراني بيانًا قال فيه: "يدنا على الزناد، ونحن مستعدون للرد بحزم وبما يفوق التصور على أي عمل عدائي من قبل العدو".

وتعكس هذه المواقف اعتقاد التيار المتشدد بتحسّن حظوظه في المفاوضات، وأنه قد لا يُضطر إلى تقديم تنازلات غير مسبوقة أو مواجهة عواقب عسكرية خطيرة.

حسابات ترامب

لدى الرئيس الأمريكي رغبة دائمة في التوصل إلى إنجازات كبيرة في ملفات السياسة الخارجية، مع تفضيل أن تكون هذه الإنجازات شبه فورية، ومن خلال أقل عدد ممكن من جولات المفاوضات. كما يفضل ترامب أن يتولى هو شخصيًا إدارة المفاوضات، أو أن يكلّف بها شخصيات مقربة منه.

ويتعلق هذا الجانب برغبة ترامب في تأكيد تفرده الشخصي الذي يميّزه عن أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، وهو ما يرتبط برغبته في تكريس صورته ونفوذه في المشهد السياسي الأمريكي، وتحويل عائلته إلى سلالة سياسية تضاهي سلالات كينيدي وبوش.

ظهرت هذه الجوانب بوضوح خلال ولايته الأولى، وتظهر الآن مرة أخرى في ملفات الحرب التجارية، والحرب الروسية - الأوكرانية، والتنافس الأمريكي - الأوروبي.

ويقارب ترامب الملف النووي الإيراني بطريقة مشابهة، إذ يسعى إلى إنجاز سريع وكبير ينجزه هو شخصيًا، أو حليفه المقرّب ستيف ويتكوف. هذا الجانب في مقاربة ترامب يُضعف الموقف التفاوضي لبلاده، فقد أعلن ترامب من قطر، في 15 مايو/أيار، أن الإيرانيين وافقوا "تقريبًا" على الاتفاق.

وتعمّد الإيرانيون استعراض عنادهم في هذه الجولة من المفاوضات، بينما اكتفى الأمريكيون بوصف الجولة بالبناءة مع تجنّب الإشارة إلى تحفّظات الجانب الإيراني.

ودفع حرص ترامب على صورته وشعبيته به إلى التخلّي سريعًا عن الخيار العسكري ضد الحوثيين، وهو ما بدأ يُضعف موقفه ضد إيران أيضًا. ففي 12 مايو/أيار، نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في البنتاغون أن القاذفات الشبحية من طراز "B-2" قد سُحبت من قاعدة دييغو غارسيا، ويتم استبدالها بقاذفات "B-52"، التي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي.

وفي 23 مايو/أيار، عبرت حاملة الطائرات "هاري ترومان" والسفن المرافقة لها مضيق جبل طارق إلى المحيط الأطلسي، منهيةً انتشارًا استمر 8 أشهر في الشرق الأوسط. وبهذا، تبقى للولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات واحدة في المنطقة، وهي الحاملة "كارل فينسون" في بحر العرب.

وفي شهر مارس/آذار، كان الحديث يدور حول قرب إرسال الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات ثالثة إلى المنطقة تحضيرًا لضربة عسكرية لإيران. ولكن يبدو الآن أن حرص ترامب على صورته، وتفضيله للإنجازات وتجنّب الأزمات، قد قلّص بشكل كبير احتمال اللجوء إلى العمل العسكري ضد إيران.

والآن، إلى أين؟

ملخّص المشهد الآن أن التيار المتشدد في طهران يرى أن الملف النووي يتعلق بالدرجة الأولى بنفوذه وسلطاته في الداخل الإيراني. ويرى أن رهانه على الوقت وتأخير التنازلات قد نجح، أو أوشك، في تجنيب إيران تقديم تنازلات غير مسبوقة.

في المقابل، يرى الرئيس الأمريكي الملف النووي الإيراني كفرصة أخرى لتأكيد قدراته السياسية، وسط تعاظم حاجته إلى تحقيق إنجازات في السياسة الخارجية، مع الابتعاد عن الخيار العسكري. وهذا المشهد يمكن أن يمضي في مسارات مختلفة.

ما يبدو مستبعدًا الآن، بقدر متساوٍ، هو أن تُقدّم إيران تنازلات جذرية في الملف النووي، خصوصًا لناحية التخلي الكامل عن عمليات تخصيب اليورانيوم، كما يُستبعد أن تمضي الولايات المتحدة خلال الأسابيع المقبلة نحو عمل عسكري واسع ضد المنشآت النووية الإيرانية.

في المقابل، ما يبقى محتملًا هو أن يتنازل الرئيس الأمريكي عن مطالبه الخاصة بالوقف الكامل لتخصيب اليورانيوم، ويقبل بتجميد مؤقت للتخصيب (ربما للفترة المتبقية من ولايته)، ليقول إنه حقّق إنجازًا غير مسبوق. إلا أن ذلك سيُقابل باعتراضات كبيرة في الداخل الأمريكي، بما في ذلك من جانب الحزب الجمهوري. إلا أن النتيجة الإجمالية ستبقى أن التيار المتشدد في طهران قد تجاوز المواجهة، وخرج بأقل حد من التنازلات.

ومن المحتمل أيضًا أن يتعنّت الجانب الإيراني، ويرفض تقديم أي تنازل يتجاوز الاتفاق النووي الأصلي، وبالتالي يفشل الرئيس الأمريكي في الترويج لإنجاز غير مسبوق. إلا أن ممانعة ترامب للجوء إلى الخيار العسكري تعني العودة إلى استراتيجية "الضغط الأقصى" والتوسّع في فرض العقوبات على إيران.

ويمكن أن يحدث هذا مع الاستمرار بعقد جلسات جديدة للمفاوضات، ولكن بشكل متباعد زمنيًا. وهذه المرة قد يراهن التيار المتشدد في إيران على أن الصين وروسيا ستدعمانه بشكل أكبر بكثير من السابق، ما يخفف من وطأة العقوبات.

ولكن يبقى احتمال قائم بأن تُخلط الأوراق مجددًا ويتغير المشهد بشكل جذري، في حال اكتشفت الولايات المتحدة أن إيران تطوّر بالفعل سلاحًا نوويًا، أو أن هناك منشآت نووية سرّية لا يُعرف يقينًا الغرض منها.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC