الجيش الإسرائيلي: يمكن لسكان مدينة غزة مغادرة المدينة باتجاه المواصي عبر شارع الرشيد بدون تفتيش
منذ أن ظهرت ملامح التحشيد العسكري الأمريكي في المنطقة، من البحر الأحمر إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، خرجت تحليلات كثيرة تناقش احتمال العمل العسكري وأهدافه وفعاليته.
وإحدى أهم هذه الدراسات هي تلك التي نشرها، في 21 مارس/ آذار، مركز "RUSI" البريطاني، الوثيق الصلة بوزارة الدفاع البريطانية.
وترى دراسة "RUSI" أن أي ضربة عسكرية فعالة للبرنامج النووي الإيراني يجب أن تستهدف مخزون اليورانيوم المخصب، ومواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومراكز الأبحاث، بالإضافة إلى المنشآت التي يجري فيها حاليًا تخصيب اليورانيوم، أي منشأتي نطنز وفوردو.
ومثل هذه العملية تمر حتمًا باستهداف شبكة الدفاع الجوي الإيراني. أي أن هذه العملية، بحسب الدراسة، لا يمكن مقارنتها باستهداف إسرائيل لمفاعل "تموز" العراقي في 1981، أو لمفاعل "الكُبَر" السوري في 2007.
في المقابل، ترى تحليلات أخرى، مثل تلك التي نشرتها وكالة "رويترز"، في 15 أبريل/ نيسان، أن العمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني سيبقى محدود الفعالية ولن ينجح سوى بتأخير هذا البرنامج لعدة أعوام. فهل يعني هذا أن الخيار العسكري عقيم في مواجهة البرنامج النووي الإيراني أم أنه يمكن أن يقود فعلًا إلى تغيير في طريقة التفكير الإيرانية؟
هل الخيار العسكري عقيم؟
وتقول التجارب التاريخية إنه من النادر أن ينجح الخيار العسكري وحده – في أي مسرح من مسارح العالم – في خلق وقائع جديدة دائمة، وفي حالة إيران تحديدًا، يقول المشككون إن الخيار العسكري لا يمكن أن يزيل البرنامج النووي الإيراني بالكامل. فالتحدي الأكبر يتعلق بالمعارف التقنية الإيرانية وليس بالبنى المادية نفسها.
ولتوضيح هذه النقطة يمكن المقارنة مع النموذج الليبي – الذي يشار إليه بشكل متكرر كأحد السيناريوهات التي يمكن تطبيقها لنزع القدرات النووية والصاروخية الباليستية الإيرانية.
وكانت ليبيا قد وافقت في 2003 على التخلي عن برنامجها الصاروخي والنووي، فسلمت في يناير/كانون الثاني 2004 حوالي 25 طنًا من المستندات الخاصة بالأبحاث النووية، وكذلك أنظمة توجيه خاصة بالصواريخ الباليستية. وفي مارس/ آذار 2004 سلمت ليبيا للولايات المتحدة شحنة تزن أكثر من ألف طن، تضم أجهزة طرد مركزي وصواريخ باليستية بعيدة المدى.
واعتمد البرنامج الليبي الصاروخي والنووي بشكل رئيس على الاستيراد المباشر للمكونات الحيوية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي اللازمة لتخصيب اليورانيوم الذي سيُستخدم في الأسلحة النووية. والأمر نفسه ينطبق على البرنامج الصاروخي الذي اعتمد على صواريخ "Scud C" مستوردة من كوريا الشمالية. ولم يكن هناك تصنيع أو تطوير محلي لأي من هذه المكونات.
وبتسليم ليبيا للولايات المتحدة العناصر الحيوية لبرنامجيها الصاروخي والنووي (المعدات والوثائق)، لم يعد من السهل بالنسبة لليبيا إعادة بناء قدراتها النووية أو الصاروخية.
المسألة مختلفة بالنسبة لإيران، فبرنامجاها النووي والبالستي اعتمدا في البداية على عناصر مستوردة، وانتقلا لاحقًا إلى الهندسة العكسية، ومؤخرًا نحو التطوير المحلي الكامل.
وبينما كانت ليبيا تملك أقل من 300 جهاز طرد مركزي، مستوردة بشكل جاهز من شبكة العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، صنعت إيران محليًا منذ الثمانينيات ما قد يصل إجماليه إلى 30 ألف جهاز طرد مركزي – منها حوالي 20 ألف جهاز مركب ومشغل حاليًا.
القدرة على التصنيع والتطوير المحلي لهذه الأجهزة هي ما سمح لإيران بتعويض الأجهزة التي تخسرها بسبب العمليات الاستخبارية. وهناك مثالان معروفان عن هذه العمليات، الأول حصل باستخدام الفيروس الحاسوبي "Stuxnet"، في 2010، والذي أدى إلى إعطاب حوالي ألف جهاز طرد مركزي من الجيل الأول (IR-1) بعد تخريب أنظمة الحاسوب التي تتحكم بعملها، والمثال الثاني حصل باستخدام المتفجرات التي هُرِّبت إلى داخل منشأة نطنز المحصنة تحت الأرض. الانفجار حصل في أبريل/ نيسان 2021.
تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مايو/ أيار 2021، قدَّر أن حوالي 3000 جهاز من الجيلين الأول والثاني (IR-1, IR-2m) قد دمرت في ذلك التفجير الغامض. ومنذ ذلك التفجير، زادت إيران من أعداد أجهزة الطرد المركزي، بينها أجهزة من الأجيال الأحدث، وصولًا للجيل السادس (IR-6).
الترسانة الصاروخية الإيرانية
والآن، بحسب بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طورت إيران منذ 2019 أربعة أجيال جديدة على الأقل من أجهزة الطرد المركزي (IR-7, IR-8, IR-8B, IR-9)، إلا أنها لم تبدأ ببنائها وتركيبها في منشآت تخصيب اليورانيوم.
بيانات الوكالة الدولية تقول إن قدرات التخصيب لهذه الأجهزة تفوق قدرات أحدث الأجهزة المركبة حاليًا (IR-6) بما يتراوح بين 100 و400%، ما يعني نظريًا أن إيران يمكن أن ترد في المستقبل على تدمير مواقع التخصيب الحالية عبر الانتقال لاستخدام أجيال أحدث وأكثر خطورة.
أما في المجال الصاروخي، فالرقم الوحيد المتداول حول حجم الترسانة الصاروخية الإيرانية يعود للقائد الأسبق للقيادة المركزية الأمريكية، الجنرال فرانك ماكينزي، الذي قال في شهادته لمجلس الشيوخ الأمريكي، في مارس/ آذار 2022، إن إيران تمتلك أكثر من 3000 صاروخ باليستي مصنع محليًا، بعضها يصل مداه إلى إسرائيل (أي يزيد مداه عن ألف كيلومتر)، بحسب الجنرال ماكينزي.
كما أن هناك تقديرات غربية متواترة عن أن إيران تستخدم برنامج الصواريخ الفضائي لتطوير صواريخ باليستية عسكرية بعيدة المدى – بما في ذلك الصواريخ العابرة للقارات (أي التي يزيد مداها على 5,500 كيلومتر).
المشككون في فعالية الخيار العسكري يقولون إن إيران يمكن أن تنتقل لتطوير صواريخ باليستية أكثر خطورة مما تمتلكه الآن.
هذه التفاصيل، والكثير غيرها، تدفع إلى الاعتقاد الأولي بأن الخيار العسكري عقيم في مواجهة البرنامجين النووي والصاروخي الإيراني، وأن أي استهداف لأي منهما سيدفع إيران للرد بتطوير ونشر قدرات أكثر خطورة من السابق وخلال فترة بضع سنوات فقط.
وبهذا يصبح الخيار العسكري عقيمًا.
إلا أن هذا النقاش التقني والمادي يغفل عن جانب مهم في الحسابات الإيرانية، وهو الجانب السياسي والعقائدي.