منذ بدء الحرب في عام 2022، عانى العديد من الأوكرانيين من إصابات خطيرة في الوجه، وهي شهادة على قوة الأسلحة الحديثة وهشاشة الجسد.
ورصد تقرير مصوّر لصحيفة "نيويورك تايمز" عشرات الحالات لرجال ونساء تحطمت حياتهم بتشوّهات في الوجه وأنحاء أخرى من الجسد، كما عاين عمليات التأهيل التي استفادت من استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وبالنسبة للعديد من جرحى أوكرانيا، تلت عمليات جراحية متقدمة علاجات جراحية فاشلة سابقة، والتي كان لا بد من التراجع عنها وإعادة إجرائها، وكما هو الحال في معظم المجهود الحربي الأوكراني، اتسمت المعركة الطبية بالارتجال والتجريب، وفق وصف "نيويورك تايمز".
وقال الدكتور أندري كوبتشاك، رئيس قسم جراحة الوجه والفكين في جامعة بوغوموليتس الوطنية الطبية في كييف: "يفقد جندي ساقه، فيُعتبره المجتمع بطلاً. لكن أن تفقد وجهك؟ تصبح شبحاً".
وحقق الجراحون تقدماً ملحوظاً في رعاية جرحى أوكرانيا، لا سيما من خلال استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، فمن خلال ابتكار غرسات وأدلة جراحية مصممة خصيصاً لكل مريض، تتيح هذه التقنية إعادة بناء أكثر دقة للفكين وعظام الخد ومحجري العينين المكسورين، مما يُعيد ليس فقط وظيفة الشخص، بل أيضاً ملامح هويته.
وتبني هذه التطورات قرناً من الابتكار، بدءاً من الجراحة الرائدة التي أجراها هارولد جيليس لإصلاح الوجوه المكسورة في الخنادق الموحلة في السوم أثناء الحرب العالمية الأولى، وحتى النمذجة الرقمية اليوم لإصلاح الجثث المشوهة في المعركة الدموية من أجل باخموت.
وكان الهدف منذ فترة طويلة هو استعادة الوظيفة، مع إعطاء الأمل للجرحى أيضاً.
ووفق شهادات حية رصدتها "نيويورك تايمز" فقد خضع بعض المصابين لنحو 50 عملية جراحية، مثل رجل يُدعى "ميلنيك، والبالغ من العمر 32 عاماً، إذ أصيب في عام 2023، عندما اقتحمت وحدته موقعاً روسياً على قمة تل، وبعد قتال عنيف، سيطرت عليه. وخلال المعركة، مزّقت الشظايا وجهه.
قال: "كانت جميع الأعصاب في الجانب الأيمن من وجهي مقطوعة، وعظامي محطمة. لم أعد أستطيع الرؤية بعيني".
بمجرد وصوله إلى بر الأمان واختفاء الأدرينالين، بدأت حقيقة إصاباته القاسية تتجلى، وقال إن بعض الممرضات اللاتي رأوه في وقت مبكر كان لديهن موقف "سوف تموت على أي حال"، ولم يظهرن أي اهتمام بعلاجه.
وخضع "ميلنيك" لجولة جراحية تلو الأخرى، إذ وُضعت الصفائح بشكل غير صحيح، وتشكّلت خراجات، وبقيت شظايا داخلها
وقال الدكتور كوبتشاك، وهو يُخرج صورة مقطعية لفكّ مريض مُحطّم: "نمسح الجمجمة، ونُنشئ نموذجاً رقمياً، ونطبع صفائح التيتانيوم طبقة تلو الأخرى. الأمر أشبه بإعادة بناء مزهرية مُحطّمة. كل جزء منها مهم".
أول ما تتذكره "ليونيدوفا"، البالغة من العمر الآن 45 عاماً، بعد إصابتها، هو شعورها بفولاذ بارد يضغط على خدها. لم تكن تعرف أين هي، فقط أن الظلام كان دامساً ورائحة كريهة تملأ الهواء. مزيج من رائحة المطهر والموت. وكان حولها جثث.
"لقد تم أخذي على أنني "الشحنة رقم 200"،" تذكرت ذلك لاحقاً، مستخدمة الرمز العسكري للموتى.
كانت قد أخطأ البعض في الاعتقاد بأنها ضحية أخرى من ضحايا القصف الذي مزق بلدتها الصغيرة في شرق أوكرانيا عام 2014، خلال الفصل الافتتاحي لما سيصبح الحرب الأكثر دموية في أوروبا منذ أجيال.
سرعان ما دخلت في غيبوبة، ولم تستيقظ إلا بعد شهرين. فقدت عينها اليمنى، وكسر فكها، وتشوه جسدها. أجريت لها أيضاً عشرات العمليات الجراحية التي ساعدتها على الحياة بـ "كرامة".