أفاد خبراء دستوريون فرنسيون بأن التعيين المنتظر لثلاثة أعضاء جدد في المجلس الدستوري الفرنسي يشكل حدثًا بالغ الأهمية ولحظة مفصلية، في ظل التوترات السياسية الراهنة في البلاد.
ويرى كل من بنجامان موريه، المتخصص في القانون الدستوري، وتيبو مولييه، الباحث في الشؤون الدستورية، أن هذه التعيينات قد تؤثر في قرارات المجلس في السنوات القادمة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام 2027، إذ يمكن أن يواجه المجلس تحديات غير مسبوقة بشأن شرعية القوانين والسياسات الجديدة، لا سيما في مجال الهجرة والتعديلات الدستورية المحتملة.
وسيعلن الرئيس إيمانويل ماكرون عن رئيس جديد للمجلس الدستوري خلفًا لـ لوران فابيوس، الذي أكمل ولايته الممتدة لتسع سنوات. وبحسب مصادر مقربة من الإليزيه، فإن هذه التسمية تعد "بالغة الأهمية" نظرًا للدور الحاسم الذي يلعبه المجلس في النظام الدستوري الفرنسي، بالإضافة إلى استمرار ولاية أعضائه لما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وإلى جانب رئيس المجلس الجديد، سيتم تعيين عضوين آخرين ليحلا محل ميشيل بينو وكورين لوكيان، من قبل يائيل براون-بيفيه، رئيسة الجمعية الوطنية، وجيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ.
ورغم أن هذه التعيينات تمر عبر تصويت برلماني، فإن رفضها لم يسبق له مثيل، ما يجعل المجلس بمثابة الضامن لاستقرار المؤسسات الدستورية.
منذ إنشائه عام 1958، اكتسب المجلس الدستوري دورًا مركزيًا في المشهد السياسي الفرنسي، إذ يُعد الحَكم الفصل في الطعون الدستورية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، كما أنه "القاضي الانتخابي الأعلى" في البلاد.
ومن جانبه، قال بنجامان موريه، الخبير الدستوري، لـ"إرم نيوز"، إن أهمية الرئيس الجديد تتجاوز الجانب الإداري؛ إذ إنه يمتلك الصوت المرجِّح في حالة التعادل داخل المجلس، فضلًا عن أنه المسؤول عن توجيه استراتيجية المجلس الاتصالية.
وأوضح أنه في ظل المناخ السياسي غير المستقر منذ الانتخابات التشريعية لعام 2022، ازدادت أهمية المجلس، خصوصًا في ظل غياب أغلبية برلمانية مطلقة؛ مما يسهل تقديم الطعون الدستورية.
ويشير أحد أعضاء المجلس السابقين إلى أن "هذه التعيينات تكتسب بُعدًا خاصًا، إذ تتزايد احتمالات الطعون من مختلف الأطياف السياسية".
وفقا للخبير الدستوري الفرنسي، فإنه خلال السنوات الأخيرة برزت معركتان سياسيتان حاسمتان تعكس أهمية دور المجلس الدستوري، هما: إصلاح نظام التقاعد وقانون الهجرة، فبينما أقر المجلس الإصلاح المثير للجدل بشأن رفع سن التقاعد، ألغى في المقابل بعض البنود غير الدستورية في قانون الهجرة الذي قدمه وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
من جهته، قال المحلل السياسي الفرنسي، الباحث في الشؤون الدستورية، تيبو مولييه، لـ"إرم نيوز"، إن السلطة التنفيذية "حاولت أحيانًا استخدام المجلس لتمرير إصلاحات تتجاوز الحدود الدستورية"، مما أدى إلى توترات مع المعارضة.
وأضاف أن قرارات المجلس المتعلقة بالهجرة أثارت انتقادات حادة من اليمين، خاصة بعد رفضه مقترح استفتاء حول هذه القضية، وهو ما دفع السياسي اليميني لوران فوكوييه إلى وصف ذلك بأنه "انقلاب قانوني".
ويتزايد الجدل بشأن استقلالية المجلس، إذ يُنظر إلى آلية تعيين أعضائه على أنها خاضعة لتأثيرات سياسية. وأثارت الأنباء عن احتمال تعيين ريشار فيران خلفًا لفابيوس انتقادات واسعة، إذ يرى تيبو مولييه أن "تسمية شخصيات سياسية دون خلفية قانونية قوية يعزز الشكوك بشأن استقلالية المجلس".
وتمتد أهمية التعيينات الجديدة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ سيتولى المجلس مراجعة شرعية العملية الانتخابية لعامي 2027 و2032.
وفي حال فوز مارين لوبان، قد يواجه المجلس تحديات مع محاولتها تعديل الدستور عبر استفتاء، وهو ما قد يعيد النظر في سابقة قانونية تعود إلى عام 1962، عندما امتنع المجلس عن التدخل في تعديل دستوري أجراه شارل ديغول عبر الاستفتاء.
وفي هذا السياق، يحذر بنجامان موريه من أن "قوة أي مؤسسة مرتبطة بشرعيتها، وعندما تتعرض هذه الشرعية للطعن السياسي، تصبح قراراتها أكثر تحفظًا".