مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
رغم مظاهر القوة والرسائل المعلنة والمبطنة التي حملها العرض العسكري الذي أقيم في ميدان تيانانمين في بكين، بحضور زعماء الصين وروسيا وكوريا الشمالية، إلا أن ثمة علامات تُشكّك في مضيّ الدول الثلاث نحو تحالف استراتيجي، وأنها لن تكون أكثر من وحدة مؤقتة مستغلة "ارتباك" الغرب.
وبرعاية الزعيم الصيني شي جين بينغ، وحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الكوري الشمالي، وكيم جونغ أون، استعرض الحدث صواريخ باليستية عابرة للقارات وأسلحة أخرى متطوّرة، وسط حشود تلوح بالأعلام، في مشهد اعتبرته تقارير غربية متعددة إشارة إلى مرحلة جديدة في إعادة تشكيل النظام الدولي.
ووفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن "شي" لم يعد حذراً في دعمه لروسيا وكوريا الشمالية، الخاضعتين لعقوبات غربية، والمنخرطتين في نزاعات دولية، فالصين، التي تتجنب خوض الحروب، تجد في هذين الشريكين أدوات مفيدة في مواجهتها المحتملة مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يؤكد المحللون أن هذه العلاقات لا ترقى، في الوقت الحالي، إلى مستوى تحالف عسكري أو سياسي متكامل، فبكين، التي تسعى للاستقرار على حدودها، تظل حذرة من مغامرات شريكيها، كما يشير تانغ شياويانغ، رئيس قسم العلاقات الدولية بجامعة تسينغهوا.
ويؤكد شياويانغ أن الصين لا تشارك روسيا وكوريا الشمالية رؤيتهما العدائية للأمن الدولي، فيما يرى دبلوماسيون غربيون أن الفجوة بين طموحات بكين وشريكيها تضيق تدريجياً، خصوصاً في ظل الاضطرابات التي أحدثها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في شبكة تحالفات واشنطن.
وتستغل الصين الفرصة لتوسيع نفوذها، معتبرة نفسها قوة تجمع الأصدقاء بعكس سياسة العزل الأمريكية، كما يرى تونغ تشاو، الزميل البارز في مركز كارنيغي، الذي يعتقد أن بكين "تستغل الفوضى الأمريكية لتأكيد قيادتها العالمية"، خاصة مع "تراجع مصداقية واشنطن".
لم يكن العرض العسكري في بكين مجرد استعراض للقوة العسكرية الصينية المتنامية، بل رسالة واضحة عن ثقة بكين في قدرتها على مواجهة الولايات المتحدة في حرب تقليدية، كما يذهب تقرير "وول ستريت جورنال".
وجاء العرض العسكري بعد قمة إقليمية في تيانجين حضرها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث اقترح شي "مبادرة حوكمة عالمية" تهدف إلى بناء نظام دولي "أكثر عدلاً"، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية.
وهذه المبادرة، رغم غموضها، تعكس رؤية بكين لنظام عالمي جديد يعتمد على شراكات استراتيجية مع دول مثل روسيا وكوريا الشمالية، لكن هذه الشراكات ليست خالية من التحديات، كما يوضح شينبو وو، عميد معهد الدراسات الدولية بجامعة فودان.
ويضيف "شينبو وو" أن الصين وروسيا، رغم تقاربهما، لا ترغبان في التورط في نزاعات الطرف الآخر، لافتاً إلى أنه إذا اندلعت مواجهة بين بكين وواشنطن حول تايوان، فمن غير المرجح أن تقدم موسكو دعماً مباشراً، إذ يؤكد أن العلاقة بين البلدين تظل على مستوى "الصداقة الجيدة" وليس التحالف.
رغم تأكيدات المسؤولين الصينيين بأن بكين لا ترسل أسلحة إلى روسيا، ولا تعترف بمطالبات موسكو في أوكرانيا، فإن الصورة التي تجمع شي ببوتين وكيم، مع خلفية من الأسلحة المتطورة، تقوض هذه الادعاءات.
ويرى ستيف تسانغ، مدير معهد SOAS الصيني في لندن، أن حضور كيم في العرض العسكري يعكس دعماً ضمنياً من الصين لبوتين وحربه في أوكرانيا.
على صعيد آخر، يستفيد الجيش الصيني من التجربة الروسية في أوكرانيا لدراسة أنظمة الأسلحة الغربية، بينما تسمح بكين ضمنياً لكوريا الشمالية بتطوير ترسانتها العسكرية من خلال مشاركتها في النزاع، مما قد يعزز موقف بكين في حالة اندلاع حرب متعددة الجبهات.
لكن هذا الدعم الضمني يعكس حسابات استراتيجية معقدة، حيث تسعى الصين لتقوية شركائها دون التورط المباشر في صراعاتهم، بحسب تقرير"وول ستريت جورنال".
اقتصادياً أيضاً تبرز عدة تباينات، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا 245 مليار دولار العام الماضي، لكنه انخفض بنسبة 8% في 2025، نتيجة الضغوط الاقتصادية والعقوبات الغربية على روسيا.
وتعتمد الصادرات الروسية بشكل رئيس على النفط والغاز، بينما تزوّد الصين روسيا بالمنتجات الصناعية، بما في ذلك مكونات عسكرية حيوية.
في المقابل، تبقى العلاقات الاقتصادية مع كوريا الشمالية محدودة، مما يعكس عدم التوازن في هذه الشراكة الثلاثية، ففي الأسواق الصينية، تظهر آثار العقوبات على روسيا بوضوح.
على الرغم من التقارب الحالي، يظل التاريخ يلقي بظلاله على العلاقة بين الصين وروسيا، فخلال "قرن الإذلال"، استولت روسيا على أراضٍ شاسعة من الصين، وهو إرث لا يزال يثير حساسيات في بكين.
يقول شينبو وو: "الناس لا ينسون التاريخ بسهولة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأراضي المفقودة"، ومع ذلك، تؤكد القيادة الصينية أن التركيز ينصب على المستقبل، كما يقول فيكتور غاو: "نحن نعلم الماضي، لكننا نسعى للتعاون من أجل غد أفضل".
ويخلُص تقرير "وول ستريت جورنال" إلى أن الصين يبدو أنها تُمارس توازناً دقيقاً بين تعزيز شراكاتها مع روسيا وكوريا الشمالية والحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع الغرب، فبينما تستفيد بكين من الفوضى في النظام الدولي لتوسيع نفوذها، فإنها تدرك المخاطر التي يمثلها سلوك شريكيها المغامر.
كما يحذر شي ينهونغ، أستاذ جامعة رينمين، من أن تصرفات روسيا وكوريا الشمالية قد تعرض الصين لمخاطر استراتيجية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية.