الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
بينما تتسارع التطورات على الجبهة الأوكرانية، يبدو أن موسكو لا تستعجل العودة إلى طاولة المفاوضات، رغم إبقائها الباب مفتوحًا أمام الحلول السياسية.
فبعد أكثر من 3 أعوام على اندلاع الحرب، تركز القيادة الروسية على تثبيت مكاسبها الميدانية وتكريس واقع جديد يصعب التراجع عنه، معتبرة أن أي تسوية مستقبلية يجب أن تُبنى على موازين القوى الحالية لا على الضغوط الغربية.
وفي خضم التحركات الدبلوماسية المتعددة، تتبلور ملامح موقف روسي أكثر صلابة تجاه فكرة الحوار، لكنه لا يخلو من براغماتية مشروطة، وهو ما كشف عنه الخبراء لـ"إرم نيوز"، بالإضافة إلى إزاحة الستار عما يفكر فيه الكرملين ومتى يمكن أن يقتنع بأن التفاوض مُجدٍ بالفعل.
ويرى الخبراء أن الكرملين لا يعارض العودة إلى طاولة المفاوضات، لكنه لا يعتبرها أولوية في الوقت الراهن، خاصةً وأن موقف موسكو "ثابت" واستعدادها للحوار قائم ضمن الإطار الذي حددته منذ البداية، دون تنازل عن ثوابتها.
ويشير الخبراء إلى أن روسيا تشترط أجندة واضحة قبل أي مفاوضات، وتتمسك باحتفاظها بالمقاطعات الأربعة وشبه جزيرة القرم، مع تحييد أوكرانيا ومنع انضمامها إلى شمال الأطلسي "الناتو"، وأن الكرملين لن يعود إلى التفاوض إلا إذا لمس استعدادًا حقيقيًا من كييف وأمريكا لتقديم تنازلات تضمن أمنه القومي.
وأكد ألكسندر زاسبكين، الدبلوماسي الروسي السابق، أن موقف موسكو تجاه المفاوضات لم يتغير، وأن استعدادها للحوار ما زال قائمًا ضمن الإطار الذي تم تحديده مسبقًا.
وأوضح لـ"إرم نيوز"، أن الوثيقة التي سُلمت إلى الوفد الأوكراني لم تشهد أي تعديل حتى الآن، مشيرًا إلى أنها قد تخضع لتغييرات مستقبلية فقط إذا تم تحرير مناطق إضافية من كييف.
وأضاف زاسبكين أن المناورات السياسية والإعلامية المحيطة بالملف الأوكراني تجري من كلا الجانبين الأوروبي والأمريكي، لافتًا على وجه الخصوص إلى فكرة تجميد الوضع، التي وصفها بأنها "غير مقبولة لروسيا جملة وتفصيلًا".
وأكد زاسبكين أن موسكو ستواصل الدفاع عن مصالحها الوطنية، مع إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، دون التنازل عن مواقفها الأساسية في الملف الأوكراني.
من جانبه، قال رامي القليوبي، الأستاذ بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، إن الكرملين مستعد للعودة إلى المفاوضات مع أوكرانيا، شريطة وجود أجندة واضحة للتفاوض، موضحًا أنه في الوقت الحالي لا توجد أجندة فعلية لذلك في ظل استمرار فرض العقوبات على روسيا واستمرار تزويد أوكرانيا بالسلاح.
وأشار إلى أن المفاوضات تتطلب خلفية إيجابية تعكس حسن النية من جميع الأطراف، بينما ترى روسيا أن التأخير في عقدها ليس أولوية، طالما أنها تحقق تقدمًا ميدانيًا وأصبحت قريبة من السيطرة على مدينة باكروفسك الاستراتيجية، إلى جانب استمرار صمودها في مواجهة العقوبات.
وأضاف القليوبي أن موسكو تعتبر أن عامل الزمن يعمل لصالحها، ولذلك لا تبدي "مرونة كبيرة" في تخفيف الشروط المسبقة للمفاوضات، والتي تشمل احتفاظها بالمقاطعات الأربعة إلى جانب شبه جزيرة القرم، وتحييد أوكرانيا ونزع سلاحها، ومنع انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وشدد على أن أي حديث عن تسوية سياسية حقيقية يجب أن يأخذ في الاعتبار موازين القوى على الأرض، معتبرًا أن روسيا في موقف مريح نسبيًا، بينما يسعى الغرب إلى إطالة أمد الصراع لاستنزافها اقتصاديًا.
وأكد القليوبي أن موسكو تتابع المواقف الغربية بدقة، وأنها لن تجلس إلى طاولة المفاوضات إلا عندما تدرك وجود استعداد حقيقي من الجانب الأوكراني والأمريكي لتقديم تنازلات تضمن الأمن القومي الروسي على المدى البعيد.