صحة غزة: الهجمات الإسرائيلية في الساعات الـ24 الماضية قتلت 68 شخصا وأصابت 362 آخرين
في قلب الساحة الإفريقية، تتصاعد ألسنة لهب حرب باردة جديدة، ولكن هذه المرة ليست بين دبابات وصواريخ، بل بين النفوذ والموانئ، بين المرتزقة والصفقات النووية. إنها معركة كسر عظم بين روسيا والولايات المتحدة للسيطرة على غرب القارة، وسط فراغ خلّفه انسحاب فرنسا، المستعمر السابق.
فبينما تُعيد واشنطن ترتيب أوراقها على طاولة الشطرنج الإفريقية، تتحرك موسكو كـ"لاعب براغماتي"، بحسب وصف خبراء، لتقضم ما استطاعت من نفوذ وشراكات، وتتسلل نحو موانئ الأطلسي، في محاولة لتعزيز تموضعها العسكري واللوجستي.
بحسب تقرير ناري صادر عن "مشروع التهديدات الحرجة" التابع لمعهد أمريكان إنتربرايز (AEI)، فإن روسيا وضعت عينها الآن على دولة توغو، الساحلية الصغيرة التي قد تتحوّل إلى مركز عبور إستراتيجي للقوات والمعدات نحو الداخل الإفريقي.
فقد صادقت موسكو وتوغو، في 22 يوليو/ تموز، على اتفاقية تعاون عسكري، تشمل تبادل الأسلحة والتدريب والمناورات المشتركة، في خطوة قد تقلب موازين النفوذ وتُحرج الولايات المتحدة في إحدى آخر قلاعها الأمنية غرب إفريقيا.
بعد مقتل مؤسس فاغنر، يفغيني بريغوجين، عام 2023، أعادت روسيا تشكيل قواتها شبه النظامية تحت مسمى "فيلق إفريقيا"، الذي يضم قرابة 2000 جندي في مالي و200 في بوركينا فاسو.
ورغم الصعوبات في التجنيد، نتيجة استنزاف الجبهة الأوكرانية، يحذر الخبراء من موجة مقبلة من الجنود الروس "العائدين من أوكرانيا"، الذين قد تُعيدهم موسكو إلى إفريقيا بدلاً من إعادتهم للوطن، لتفادي أزمة اجتماعية محتملة داخل روسيا.
في تصريح صريح لمجلة "نيوزويك"، عبّر متحدث باسم الخارجية الأمريكية عن "قلق بالغ" مما وصفها بالأنشطة الروسية "الاستغلالية والمتهورة" في الساحل، مؤكدًا أنها "تُفاقم المظالم المحلية وتُسهم في تجنيد الإرهابيين".
ودعت واشنطن جميع الدول إلى "تجنب التعاون مع قطاع الدفاع الروسي"، في وقت تتحرك فيه روسيا بسرعة لعقد صفقات يورانيوم، وليثيوم، وصفقات تعدين إستراتيجية في النيجر ومالي.
لأعوام، اعتمدت روسيا على ميناء كوناكري في غينيا لنقل معداتها العسكرية، لكن أنظارها الآن تتجه إلى توغو لتعويض ضعف خطوطها اللوجستية. ويبدو أن موسكو تُخطط لاستخدام توغو أيضًا كمنصة لإظهار قوتها البحرية في المحيط الأطلسي، في تحدٍّ مباشر للولايات المتحدة وحلف الناتو.
من جانبها، تحاول واشنطن إنقاذ ما يمكن إنقاذه. فقد كثّفت اللقاءات الأمنية والدبلوماسية، من زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي ويل ستيفنز، إلى تسليم السفيرة كاثلين فيتزجيبون أوراق اعتمادها لزعيم الانقلاب في النيجر في مايو/ أيار الماضي.
لكن رغم هذه الجهود، فقد أخلت الولايات المتحدة قواعدها في أغاديز ونيامي في سبتمبر/ أيلول 2024، في خطوة رأى فيها مراقبون "انسحابًا تكتيكيًّا يفتح الباب لموسكو على مصراعيه".
ويرى الدكتور أولايينكا أجالا، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليدز بيكيت، أن روسيا "تُراهن على المدى المتوسط والبعيد"، حيث تسعى لترسيخ أقدامها في إفريقيا عبر تحالفات طويلة الأمد، في وقت لا تزال فيه الولايات المتحدة تحاول استعادة الثقة والتموقع.
لكن السؤال الملتهب الذي يبقى: هل ستنجح واشنطن في إعادة الإمساك بخيوط اللعبة؟ أو أن موسكو ستجعل من غرب إفريقيا جبهة جديدة لتصفية الحسابات مع الغرب؟ الجواب لا يزال يتخمر في مزيج البارود والدبلوماسية، بين توغو ونيامي وكوناكري.