رئيس الموساد يعتبر أن على إسرائيل "ضمان" عدم استئناف إيران لبرنامجها النووي

logo
العالم

من جزيرة هادئة إلى ساحة تنافس.. الانقلاب يعيد مدغشقر لواجهة الصراع الدولي

العسكر خلال إعلانهم تسلم السلطة بعد عزل الرئيس في مدغشقرالمصدر: أ ف ب

شهدت مدغشقر في أكتوبر 2025 انقلابًا عسكريًا أنهى سنوات من الاستقرار النسبي، وأعاد الجزيرة الأفريقية إلى واجهة الصراع الجيوسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

جاء الانقلاب بقيادة العقيد مايكل راندريانيرينا، الذي أطاح بالرئيس أندريه راجولينا بدعمٍ من احتجاجات شعبية واسعة، لتقع البلاد مجددًا في قبضة مجلس عسكري جديد.

وبينما قد تبدو الأزمة داخلية، فإن خلفياتها الجغرافية والاقتصادية تشير إلى انعكاسات أوسع تمسّ التوازنات الإقليمية والدولية، بحسب مجلة "Modern Diplomacy".

الموقع الجيوسياسي لمدغشقر وموقعها في سباق القوى الكبرى

تُعد مدغشقر أكبر جزيرة في المحيط الهندي، وتتمتع بموقع استراتيجي يجعلها حلقة وصل رئيسية بين القارتين الأفريقية والآسيوية.

تقع الجزيرة على طرق الملاحة والتجارة الحيوية التي تربط شرق أفريقيا بجنوب آسيا؛ ما يجعلها ذات أهمية عسكرية واقتصادية متزايدة في ظلّ احتدام المنافسة بين القوى الكبرى.

أخبار ذات علاقة

الحاكم العسكري لمدغشقر يؤدي اليمين الدستورية رئيسا للبلاد

مدغشقر.. حكومة انتقالية جديدة بمهلة 60 يوما تحت رقابة "جيل زد"

تحيط بمدغشقر قواعد عسكرية متعددة تابعة لقوى دولية وإقليمية، تشمل قاعدة فرنسية في جزر ريونيون شرقًا، وقاعدة أمريكية–بريطانية في دييغو غارسيا على بُعد نحو 3000 كيلومتر، وقاعدة صينية في جيبوتي شمال غرب الجزيرة، ومشروعات هندية متزايدة في جزيرة أغاليغا بموريشيوس القريبة.

هذا التزاحم العسكري جعل من مدغشقر هدفًا محتملاً لبسط النفوذ من قبل القوى الكبرى؛ فالهند تخشى من أن تتحول الجزيرة إلى قاعدة صينية ضمن استراتيجية "سلسلة اللآلئ"، بينما تخشى أوروبا من تمدد النفوذ الروسي عبر المجالس العسكرية في أفريقيا، كما حدث في مالي وتشاد وبوركينافاسو.

وفي المقابل، ترى الصين في مدغشقر نقطة ارتكاز جديدة لمبادرة "الحزام والطريق" ووسيلة لتعزيز وجودها البحري في المحيط الهندي.

ويُفسِّر هذا الواقع الجيوسياسي إلى حدٍّ كبير هشاشة الاستقرار السياسي في الجزيرة، إذ تحوّلت من دولة محايدة إلى ساحة تنافس بين المحاور الدولية؛ ما جعل الانقلاب الأخير نتيجة حتمية لتصادم المصالح الخارجية مع الاحتقان الداخلي.

سباق الموارد والهيمنة الاقتصادية

لا تقتصر أهمية مدغشقر على موقعها، بل تمتد إلى ثرواتها الطبيعية الهائلة؛ فهي من أكبر منتجي الكوبالت والنيكل والجرانيت والجرافيت، وهي معادن استراتيجية تدخل في صناعة بطاريات الليثيوم والطائرات والمركبات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة النووية.

أخبار ذات علاقة

العقيد مايكل راندريانيرينا رئيس مدغشقر الجديد

تقاطعات السياسة والاقتصاد.. مدغشقر في قلب صراع نفوذ بين روسيا وفرنسا وأمريكا

تُعدّ مدغشقر رابع أكبر مورّد للجرافيت إلى الولايات المتحدة، كما تعتمد اليابان وكوريا الجنوبية بشكلٍ كبير على النيكل المستورد من الجزيرة.

وتُعدّ هذه الموارد حيوية للدول التي تسعى إلى تقليل انبعاثاتها وتعزيز الطاقة النظيفة؛ ما جعل مدغشقر محور اهتمام القوى الصناعية الكبرى.

وفي ظلّ السباق العسكري والتكنولوجي داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ازداد الطلب العالمي على هذه الموارد، لتصبح السيطرة عليها جزءًا من الصراع الجيوسياسي.

ومع تصاعد الاحتباس الحراري واتجاه العالم نحو الطاقة المتجددة، تتزايد قيمة هذه المعادن؛ ما يجعل من السيطرة على مدغشقر مكسبًا استراتيجيًا يفوق حدودها الجغرافية.

لكن في المقابل، أدّت المنافسة على الموارد إلى تفاقم الفساد الداخلي وزيادة الفجوة بين النخب السياسية والشعب؛ ما فجّر الغضب الشعبي وأتاح للمجلس العسكري فرصة استغلال الاضطرابات للإطاحة بالحكومة المنتخبة.

التحديات السياسية وموجة الاحتجاجات الإقليمية

أدّت الإطاحة بالرئيس راجولينا وتولّي المجلس العسكري الحكم إلى تعليق عضوية مدغشقر في الاتحاد الأفريقي، لتُضاف إلى قائمة طويلة من الدول التي شهدت انقلابات مماثلة.

أخبار ذات علاقة

متظاهرين في مدغشقر

خلف قتيلا ومصابين.. "عنف الجامعات" يختبر سلطة حكام مدغشقر الجدد

ومع تراجع مصداقية الاتحاد الأفريقي، باتت العقوبات الرمزية غير فعالة؛ مما عزز من جرأة المجالس العسكرية في القارة.

ومن المرجح أن تتجه الإدارة الجديدة نحو تعميق علاقاتها مع الصين وروسيا لتعويض العزلة الغربية؛ فبكين استثمرت في الموانئ ومدّ سككٍ حديدية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، بينما تسعى موسكو إلى توسيع حضورها في أفريقيا عبر شركاتٍ أمنية ودبلوماسية الطاقة.

غير أن هذه السياسة المزدوجة قد تضع الحكومة العسكرية في مواجهة مع الدول الغربية، في وقتٍ لا يزال فيه الاقتصاد المحلي يعتمد على الأسواق الأوروبية والأمريكية لتصدير موارده.

وتزامن انقلاب مدغشقر مع موجةٍ من الاحتجاجات الشعبية في الدول الصغيرة بالمحيطين الهندي والهادئ، مثل سريلانكا (2022)، وبنغلاديش (2024)، ونيبال (2025)، بالإضافة إلى اضطراباتٍ محدودة في الفلبين وإندونيسيا وكينيا وتنزانيا.

وتُظهر هذه الأحداث أن المنطقة تشهد دورةً جديدة من الاضطرابات السياسية المرتبطة بالأزمات الاقتصادية العالمية، وبتراجع الدعم الغربي للحكومات الهشّة.

وقد أدّت الحرب في أوكرانيا وسياسات الولايات المتحدة التجارية تجاه الصين إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة، مما أضعف الاقتصادات النامية ودفع الشارع إلى الانفجار.

وفي عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه الاحتجاجات تنتشر كالنار في الهشيم، محفّزةً تحركاتٍ مماثلة في الدول المجاورة.

أخبار ذات علاقة

احتجاجات الشباب في مدغشقر

مدغشقر.. من أزمة خدمات إلى انتفاضة شعبية تُغير الحكم

ويُعدّ الانقلاب في مدغشقر مؤشراً على تحوّل عميق في توازن القوى داخل المحيطين الهندي والهادئ. فالموقع الجيوسياسي، والثروات المعدنية الحيوية، والمنافسة بين القوى الكبرى، كلها عوامل جعلت من الجزيرة الصغيرة ساحةً لتقاطع المصالح الدولية. 

ومع تنامي النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا، وتراجع الاهتمام الغربي باستقرار القارة، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة من الاضطرابات المتسلسلة، قد تجعل من مدغشقر نموذجًا مبكرًا لحقبة جديدة تتراجع فيها الديمقراطيات لصالح أنظمة عسكرية تبحث عن حماية خارجية مقابل ولاء استراتيجي.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC