في وقت تتسارع فيه التطورات على الجبهة الأوكرانية، برز في الساعات الماضية موقف غير تقليدي من البيت الأبيض، يعكس ملامح انعطافة محتملة في السياسة الأمريكية تجاه الحرب الروسية.
ولم يخفِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استياءه من استمرار النزاع في أوكرانيا، وبدا أكثر ميلاً لوضع حد للحرب، حتى لو جاء ذلك على حساب تقليص دعم واشنطن لكييف.
وخلال إفادة صحفية، أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ترامب "غير سعيد" بما آلت إليه التطورات في أوكرانيا، خصوصاً مع الضربات التي استهدفت مصافي النفط الروسية، لكنها أوضحت أن الرئيس لم يُفاجأ بتلك الأحداث.
وأشارت ليفيت إلى أن ترامب يعتزم إصدار بيانات إضافية قريباً، مؤكدة أن استمرار النزاع يعكس رفض موسكو وكييف التوصل إلى تسوية، رغم رغبة واشنطن في إنهائه.
وتزامن الموقف الأمريكي مع تحركات أوكرانية على الساحة الدولية، أبرزها مطالبة مجلس الأمن بعقد جلسة طارئة بعد الهجمات الروسية الأخيرة على كييف.
في المقابل، شدد الكرملين على أن الضربات تستهدف منشآت عسكرية وبنية تحتية ذات طابع حربي، متهماً أوكرانيا بمواصلة ضرب أهداف داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك منشآت مدنية.
وبين رغبة ترامب المعلنة في إنهاء الحرب، وتأكيده أن طول أمدها لم يعد يخدم المصالح الأمريكية، يتردد سؤال جوهري على المشهد السياسي الآن: هل يمثل هذا الموقف بداية تحول في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، بحيث تتركز المسؤولية على الأوروبيين وحدهم؟
وفي هذا السياق، أكد خبراء ومحللون سياسيون أن موقف ترامب من إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية يعكس رغبة واضحة في إنهاء الصراع عبر الضغط على كييف لتقديم تنازلات، حتى لو أدى ذلك إلى تراجع حجم الدعم الأمريكي لها.
وقال الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن ترامب لا ينظر إلى أوكرانيا كقضية مقدسة كما كان الحال في الإدارات السابقة، بل يعتبر أن استمرار الحرب يرهق واشنطن دون جدوى، ما يفتح الباب أمام تحولات كبيرة في السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا.
وأضاف الخبراء أن هذا التحول الأمريكي قد يمنح روسيا مساحة أوسع لتعزيز نفوذها الميداني والسياسي، مع ترك أوروبا وحدها في مواجهة تداعيات الصراع.
وأشار الخبراء إلى أن ترامب يلوح بخيارات مختلفة، بين الحرب الاقتصادية وتغيير التكتيك، في وقت تبدو فيه موسكو ثابتة على مواقفها وغير متأثرة بالضغوط الغربية.
واعتبروا أن المرحلة المقبلة قد تشهد تغييرات جذرية في علاقة واشنطن بالأزمة الأوكرانية، بما يفتح المجال أمام إعادة صياغة التوازنات الدولية.
ورأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، د. توفيق حميد، أن "موقف الرئيس الأمريكي من الأزمة الأوكرانية قد يفتح الباب أمام تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية، خاصة أن ترامب حاول أكثر من مرة أن يرغم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تقديم تنازلات، حتى يتم التعايش مع الأمر الواقع، خاصة أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف الناتو".
وقال حميد، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "التغيير الجذري سيتمثل في غياب الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وإنه حال استمر الاتحاد الأوروبي في دعم أوكرانيا وتمويلها، فإن ذلك سيقتصر على شراء السلاح من السوق، وهو ما يمثل تحولاً جوهرياً في تصور ترامب، لأن دعم أوكرانيا كان يُنظر إليه في الإدارات الأمريكية السابقة باعتباره قضية مقدسة، والآن أصبحت النظرة عكس ذلك".
وأضاف الخبير أن "هذا التحول يعني منح روسيا القدرة على ابتلاع أوكرانيا والسيطرة على مساحات أكبر من أراضيها، وهو ما يُعد نوعا من الضغط على كييف لإجبارها على تقديم تنازلات".
وأكد حميد أن "ما يحدث قد يفتح الباب الواسع أمام تغييرات كبرى في العلاقة بين واشنطن وكييف، من خلال ترك روسيا في مواجهة مباشرة مع الجانب الأوروبي، والسماح لها بالسيطرة على مزيد من الأراضي، خاصة بعد رفض زيلينسكي للحلول السلمية المطروحة".
وشدد على أن "السماح لروسيا بالتوغل أكثر داخل أوروبا عبر البوابة الأوكرانية أمر بالغ الأهمية والخطورة"، معتبراً أن "ذلك يمثل شكلاً من أشكال الضغط من جانب ترامب، يهدف في النهاية إلى إجبار زيلينسكي على القبول بالتنازلات لإنهاء الأزمة".
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. نبيل رشوان، إن "الرئيس الأمريكي منح مهلة أسبوعين، فتارة يتحدث عن حرب اقتصادية، وتارة أخرى عن تكتيك مختلف".
ورأى أن "روسيا حتى الآن لم تهتز، ولم يتأثر موقفها بأي شيء، فهي ما زالت متمسكة بمطالبها، ولا تعترف بزيلينسكي، ومن ثم فإن الرئيس فلاديمير بوتين لا يرغب في لقاء زيلينسكي في أي مفاوضات".
وأضاف رشوان، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "روسيا ما زالت مسيطرة على الأرض، ويبدو -بحسب المراقبين- أنها غير مرهقة أو منهكة، إلا إذا كانت لدى أجهزة الاستخبارات الغربية معلومات أخرى".
وتابع: "شاهدنا الهجمة الأخيرة على كييف التي راح ضحيتها نحو 28 شخصاً، وكانت ضربة قوية جداً بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهذه الهجمات المكثفة والواسعة تريد أن توصل رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفاء أوكرانيا مفادها أن روسيا ما زالت تمتلك القدرة".
وأشار رشوان إلى أن ترامب تحدّث عن حرب اقتصادية، وعن تغيير في التكتيك، متسائلاً: "على أي أساس سيتغير هذا التكتيك؟".
وتابع: "روسيا تملك ورقة رابحة، وهي أن العلاقات التجارية بينها وبين الولايات المتحدة شبه معدومة حالياً، وليست بالمستوى الذي يمكّن واشنطن من فرض عقوبات حقيقية مؤثرة على موسكو".
وأوضح رشوان أن "هذا ربما هو السبب الذي دفع ترامب عند حديثه عن العقوبات إلى التركيز على ملف النفط الروسي الذي تشتريه دول مثل الهند والصين والبرازيل وغيرها، لأنه لا توجد تعاملات تجارية مباشرة مع واشنطن".
ولفت إلى أن "ترامب أقر بعدم وجود علاقات تجارية تسمح بفرض عقوبات فعّالة على روسيا، مرجحاً أن تشهد المرحلة المقبلة تغييرات جذرية، في ظل حديث ترامب عن حرب اقتصادية وعن تغيير في التكتيك الأمريكي.