رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
شهدت العاصمة الفلبينية هذا الأسبوع خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع، في أكبر تحرك شعبي ضد الفساد منذ سنوات.
جاءت الاحتجاجات، التي شارك فيها ما يزيد على 60 ألف شخص وتوزعوا على مواقع متعددة داخل مانيلا وضواحيها، جاءت بعد فضيحة كبرى تتعلق بمشاريع بنية تحتية وهمية أو "أشباح"، بقيمة مليارات الدولارات، بحسب صحيفة "آسيا تايمز".
وأشعل المتظاهرون، ومعظمهم من الشباب، النار في شاحنة فولاذية وضعتها الشرطة لإغلاق أحد الجسور المؤدية إلى مجمع قصر مالاكانانغ الرئاسي، كما ألقوا الزجاجات والحجارة على قوات الأمن.
واندلعت اشتباكات عنيفة قرب القصر استمرت حتى ساعات الليل، أسفرت عن اعتقال 49 شخصًا بينهم 13 قاصرًا، فيما أصيب أكثر من 70 شرطيًا.
وأكد القائم بأعمال قائد الشرطة الوطنية، الفريق خوسيه ميلينسيو نارتاتيز الابن، أن "معظم المظاهرات سارت بسلام بفضل تعاون المشاركين"، لكنه أشار إلى أن بعض "المشاغبين" تسببوا بحوادث متفرقة، أبرزها إحراق الشاحنة على طريق أيالا روموالديز.
وفي مواجهة هذه الحشود، نشرت السلطات أكثر من 50 ألف شرطي على مستوى البلاد، منهم 29,300 في منطقة مانيلا الكبرى وحدها، ضمن وحدات إدارة الاضطرابات المدنية.
تزامنت الاحتجاجات مع جلسات استماع تلفزيونية في الكونغرس، كشفت عن مخالفات واسعة في وزارة الأشغال العامة تتعلق بمشاريع بنية تحتية "شبحية"، حيث تبين أن مليارات البيزوات أُنفقت على مشاريع غير مكتملة أو غير موجودة.
ومن بين 545 مليار بيزو (9.54 مليار دولار) مخصصة لمشاريع السيطرة على الفيضانات منذ 2022، اتضح أن آلاف المشاريع كانت إما سيئة التنفيذ أو تفتقر للتوثيق، بينما حصل 15 مقاولًا فقط على 20% من الميزانية الكلية.
أجبرت هذه الفضيحة وزير الأشغال العامة على الاستقالة، فيما علّق خليفته جميع العطاءات المتعلقة بمشاريع الفيضانات، وأمر باستقالات جماعية لمسؤولي وزارته، متعهدًا بإدراج الشركات المتورطة في القائمة السوداء بشكل دائم.
المفارقة أن الرئيس فرديناند ماركوس جونيور، الذي تعهد، مؤخرًا، بمكافحة الفساد، ينتمي إلى واحدة من أكثر العائلات إثارة للجدل في تاريخ البلاد؛ فوالده، فرديناند ماركوس الأب، أطيح به في ثورة "قوة الشعب" العام 1986 بعد عقدين من الحكم الديكتاتوري، وسط اتهامات باختلاس ثروة تتجاوز 10 مليارات دولار.
ومع ذلك، تمكنت العائلة من العودة إلى السلطة في 2022، بفوز الابن بالرئاسة وشقيقته وابنه بمقاعد في الكونغرس، وابن عمه برئاسة مجلس النواب.
هذا الإرث جعل المعارضة، مثل النائبة ليلى دي ليما، تشكك في نوايا الرئيس؛ وقالت: "إنه واجبنا الأخلاقي أن نواجه الفساد المستشري. هذه أكبر فضيحة في تاريخنا، وإذا لم تؤدِ التحقيقات إلى محاسبة المسؤولين، فإن الأمر سيكون غير مقبول لدى الشعب".
تأتي هذه الأزمة في وقت يشهد فيه المشهد السياسي الفلبيني تحولات كبيرة. فماركوس جونيور، الذي فاجأ المراقبين بقطع تحالفه مع عائلة دوتيرتي، سمح بتوجيه اتهامات إلى نائبته سارة دوتيرتي، وسلم والده رودريغو دوتيرتي إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم قتل جماعي في إطار "الحرب على المخدرات".
في المقابل، أعاد الرئيس بناء جسور العلاقات مع الولايات المتحدة بعد سنوات من التوتر في عهد دوتيرتي، ورحب بالدعم الدولي لمواجهة الصين في نزاعات بحر الصين الجنوبي. هذه التحولات عززت من صورته الخارجية، لكنها لم تشفع له أمام الداخل المشتعل.
في السياق ذاته، شدد الناشط السياسي المخضرم تيدي كازينو على أن "أي حديث عن مكافحة الفساد سيكون بلا قيمة ما لم تعترف عائلة ماركوس بماضيها وتعيد الثروة المنهوبة". وأضاف أن "الصغار هم من سيدفعون الثمن في النهاية، بينما ينجو الكبار من المحاسبة".
ماركوس جونيور من جهته حاول احتواء الغضب الشعبي، مؤكدًا أنه "لن يمنع الاحتجاجات طالما ظلت سلمية". وأضاف في تصريح لافت: "لو لم أكن رئيسًا، ربما كنت معهم في الشارع". كما أعلن تشكيل لجنة ثلاثية للتحقيق في القضية، مخولة باستدعاء المسؤولين والتوصية بتوجيه اتهامات.
لكن المعارضة ترى أن هذه الخطوات غير كافية، إذ تصر على أن المحاسبة يجب أن تكون جذرية حتى تطال جميع المتورطين. وحذرت دي ليما من أن "تجاهل القضية قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي يشبه ما حدث في إندونيسيا ونيبال مؤخرًا".
في ظل هذا الغليان الشعبي والانقسام السياسي، تبدو الفلبين وكأنها تقف على حافة "برميل بارود" قد ينفجر في أي لحظة، معادلاً ما شهدته المنطقة من اضطرابات.
ومع تصاعد الدعوات للإصلاح ومساءلة النخبة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يستطيع ماركوس جونيور تحويل الأزمة إلى فرصة لإعادة الثقة في النظام السياسي، أم أن الفساد سيبقى لعنة تطارد بلاده إلى أجل غير مسمّى؟