في مشهد قد يبدو مستحيلًا قبل سنوات قليلة، يكشف نيكولا ساركوزي في كتابه الجديد "يوميات سجين"، عن علاقات دافئة ومفاجئة مع قادة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف.
الرئيس السابق، الذي كان الوحيد القادر على سحب ناخبي "الجبهة الوطنية" في عام 2007، والذي دعا قبل 3 سنوات فقط للتصويت للرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون، يصف الآن رئيس حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، بأنه يذكره بحزب التجمع من أجل الجمهورية في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، ويؤكد لزعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان أنه لن ينضم لأي "جبهة جمهورية" ضد حزبها.
هذا الاحترار في العلاقات، الذي يأتي في وقت حرج قبل انتخابات عام 2027 الرئاسية، قد يكون الضربة القاضية التي تزيل آخر حاجز نفسي يمنع ناخبي اليمين التقليدي من الانتقال إلى "التجمع الوطني"، ويضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل حزب "الجمهوريين"، الذي يحلم قادة اليمين المتطرف برؤيته يختفي من الخريطة السياسية الفرنسية.
عندما علم النائب سيباستيان شينو أن نيكولا ساركوزي سيقيم أول جلسة توقيع له في مكتبة "لامارتين"، في 10 ديسمبر/ كانون الأول في باريس، فكر نائب رئيس حزب التجمع الوطني في "الجمعية الوطنية" جديًا في الذهاب.
وكان شينو يريد الحصول على نسخة موقّعة من كتاب ساركوزي "يوميات سجين"، لكن كان على نائب "التجمع الوطني" عن إقليم "نور"، الذراع اليمنى لمارين لوبان في قصر "بوربون"، ترؤس جلسة من على منصة الرئاسة في المجلس النيابي مساءً، وفي النهاية، تخلى عن مشروعه لرؤية ساركوزي.
لكنّ شيئا واحداً مؤكد، كما تقول صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، كان سيباستيان شينو سيحظى باستقبال حار جدًا من الرئيس السابق.
ففي كتابه، يكيل ساركوزي المديح للنائب عن التجمع الوطني، الذي كان في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية عام 2007، خلال آخر انتصار لليمين في الانتخابات الرئاسية، قبل أن ينضم لمارين لوبان في عام 2015، فشينو كتب رسالة لساركوزي كل أسبوع خلال فترة سجنه.
وكتب الرئيس السابق: "هذه النصوص تحدثت عن الحياة، والمشاعر العميقة والاحترام الذي يكنه لشخصي ولعائلتي. تأثرت بعمق هذه الأفكار واستمراريتها".
وتابع: "لقد شهدت على شخصية حساسة، قادرة على الارتفاع فوق الخلافات السياسية الضيقة للوصول إلى جوهر العلاقات الإنسانية. لن أنسى الدهشة التي شعرت بها والفائدة التي منحتني إياها".
وقبل 3 سنوات، دعا ساركوزي للتصويت لصالح إيمانويل ماكرون، في الانتخابات الرئاسية، ويبقى الرجل السياسي الوحيد الذي أعاد إليه ناخبي الجبهة الوطنية في عام 2007، السبب في انهيار جان ماري لوبان آنذاك.
واليوم، تغير الوضع تمامًا، فجوردان بارديلا يجد ساركوزي أنه "يُذكر بحزب التجمع من أجل الجمهورية في زمن شيراك".
بل دعا رئيس "التجمع الوطني"، الذي يحلم بـ"إعادة خلق الاتحاد من أجل حركة شعبية"، لتناول قهوة في مكاتبه في "ميروميسنيل".
أما مارين لوبان، فأكد لها أنه لن ينضم إلى "جبهة جمهورية" محتملة تعادي "التجمع الوطني" في الانتخابات المستقبلية.
وأوضحت صحيفة "لوفيغارو" أنه لا يوجد قيادي قومي واحد لا يرى في أقوال ساركوزي تجاه بارديلا ولوبان أو شينو مساعدة مرحب بها في الوصول الطويل والبطيء للسلطة.
وقال مستشار مقرب من لوبان: "بالطبع كلام رئيس سابق له وزنه"، مضيفًا: "حتى لو لم نكن معجبين جدًا بكشف أحاديث خاصة للجمهور الكبير. هذا ليس أسلوبنا حقًا"، في إشارة إلى الطريقة التي يروي بها ساركوزي مكالمة هاتفية مع لوبان.
تصريحات ساركوزي قد تسقط آخر سد يفصل ناخبي اليمين عن "التجمع الوطني"، وكان هذا في الواقع الهدف الذي وضعه بارديلا لنفسه، عندما اختارته لوبان ليكون رئيس وزرائها المستقبلي، لكن قبل أن يصبح الخطة البديلة للتجمع الوطني في حالة كارثة قضائية.
وقال نائب من "التجمع الوطني" إنه يعتقد أن "نيكولا ساركوزي يعلم أننا قريبون من الوصول للسلطة، إنه رجل واقعي". وهذا يمكن أن يرضي جزءًا من قادة القوميين الذين كانوا في الاتحاد من أجل حركة شعبية قبل سنوات.
آخرون أكثر حذرًا بكثير إزاء الرئيس السابق، حيث قال أحدهم للصحيفة: "إنه رجل معاهدة لشبونة، الذي لم يف بوعوده. لست متأكدًا من أنه من الجيد الظهور معه كثيرًا".
لكن هذا الاحترار لا يتجاوز إطار العلاقات مع ساركوزي، كما يرى آخرون، فهو لا يمس بأي حال من الأحوال الحزب الذي يقوده اليوم برونو ريتايو، والذي يحلم المقربون من لوبان وبارديلا برؤيته يختفي من الخريطة السياسية الفرنسية.
وقال سياسي من حزب لوبان: "اليمين وخاصة الجمهوريين لم يعد لهم مستقبل، سوى الموت أو الاندماج في الماكرونية، أو فرصتهم الوحيدة للبقاء هي الانضمام لحزب إريك سيوتي، الاتحاد الديمقراطي الجمهوري".
مقرب آخر من لوبان قال للصحيفة: "اليوم، لم نعد بحاجة لحزب الجمهوريين إذا وصلنا للسلطة. لدينا القوات، والخبرة في العمل البرلماني. ماذا يمكنهم أن يقدموا لنا؟".
ويأتي تقارب ساركوزي مع "التجمع الوطني" في لحظة حرجة للسياسة الفرنسية، فبينما يواجه حزب "الجمهوريين" أزمة هوية عميقة وتراجعًا انتخابيًا مستمرًا، تمثل كلمات الرئيس السابق - الذي لا يزال يحظى بتأثير كبير على قطاع واسع من اليمين الفرنسي - إشارة خضراء لناخبي اليمين التقليدي للانتقال نهائيًا نحو اليمين المتطرف.
هذه الديناميكية، إذا استمرت، قد تعني فعليًا نهاية حزب الجمهوريين كقوة سياسية مستقلة، وتحقيق حلم "التجمع الوطني" بأن يصبح القوة الوحيدة لليمين في فرنسا قبل الانتخابات الحاسمة في عام 2027.