كشفت خطوة أوروبية جديدة تجاه تركيا، أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يرغب بضم أنقرة، لكن عبر مسار طويل من الإصلاحات الداخلية، رغم مرور أكثر من ربع قرن على ترشيحها للعضوية.
دخلت اتفاقية تمويل جديدة من الاتحاد الأوروبي لتركيا حيز التنفيذ، قبل أيام، ضمن مساعدة الاتحاد للدول المرشحة للانضمام إليه، لتنفيذ إصلاحات مطلوبة للانضمام.
وترتبط هذه الإصلاحات الممولة أوروبياً، بمجالات: الحقوق الأساسية، الشؤون الداخلية، مكافحة الجريمة المنظمة، التوافق مع الاتحاد الأوروبي، البيئة وتغير المناخ، الطاقة، التنافسية، التوظيف، التعليم، السياسات الاجتماعية.
وتبلغ قيمة التمويل 366 مليون يورو (أكثر من 18 مليار ليرة تركية)، وستُستخدم هذه الموارد في مشاريع وبرامج سيتم تنفيذها في إطار "برنامج المساعدة المالية قبل الانضمام (IPA III) 2024"، الذي يغطي الفترة من 2021 إلى 2027.
ووصفت صحيفة "تركيا" المقربة من الحكومة، دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، بأنه "رسالة قوية على خط تركيا - أوروبا"، تؤكد استمرار التعاون المالي والمؤسسي بين تركيا وأوروبا.
وأضافت أنه بفضل الموارد التي توفرها الاتفاقية، ستتمكن تركيا من تسريع وتيرة الإصلاحات واتخاذ خطوات جديدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
على الجانب الآخر، يعكس استمرار العمل بالاتفاقية وسريانها، تمسك أوروبا بالتعاون مع أنقرة بوصفها شريكا استراتيجيا مهما، بجانب كونها مرشحاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن بعد تحقيق مجموعة شروط، دون إلزام أنقرة التي توصف بالمرشح الأبدي، بمهلة زمنية للاستجابة لها.
وبرز هذا الموقف الأوروبي، خلال زيارات المسؤولين الأوروبيين لأنقرة في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، حيث اقتصرت المحادثات ومن ثم التفاهمات والاتفاقات على القطاع الدفاعي بشكل رئيسي، والاقتصاد بصورة أوسع، بجانب تنسيق سياسي في قضايا إقليمية، بينما ظل الانضمام للاتحاد الأوروبي عقبة يصعب تخطيها.
وعندما أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام المستشار الألماني فريدريش ميرتس، خلال زيارته لأنقرة، في نوفمبر الماضي، رغبة بلاده مجدداً في الانضمام للاتحاد الأوروبي، رد ميرتس: "نريد مواصلة تمهيد الطريق نحو أوروبا"، في إشارة إلى شروط الانضمام الواردة في "معايير كوبنهاغن" التي ترى برلين أن أنقرة لا تحققها حالياً.
وتتعلق المعايير أو الشروط الأوروبية التي أُقرت عام 1993 بتحقيق استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية حقوق الأقليات، والالتزام بأهداف الاتحاد السياسية والاقتصادية والنقدية، وأي شروط أخرى.
لكن الموقف الأوروبي الأوضح برز في التقرير السنوي للمفوضية الأوروبية، الخاص بتوسيع الاتحاد، لعام 2025، وشمل في تناوله لتركيا، انتقادات لوضع القضاء والحقوق الأساسية بجانب تبني أنقرة سياسات خارجية مخالفة لنهج أوروبا في عدد من الملفات.
وأكدت المفوضية الأوروبية في تقريرها الذي صدر الشهر الماضي، أن تركيا شريك مهم، لكن تدهور معايير الديمقراطية واستقلال القضاء جمد عملية انضمامها للاتحاد عام 2018، حيث لا يوجد فصل كافٍ بين السلطتين التنفيذية والقضائية، ولا تتوفر الثقة في فاعلية مكافحة السلطات للفساد.
وأغضب التقرير الأوروبي الذي يستبعد تركيا من الاتحاد الأوروبي حالياً بحجة عدم امتثالاها لمعايير الانضمام، أنقرة التي كانت تعول على مكانتها الجيوسياسية وتطورات الصراعات العالمية التي تمتلك قدرة على التأثير فيها، بإنهاء حالة الترشح والانتقال لعضوية كاملة لا مجرد شريك لأوروبا.
يمثل التقرير الأوروبي موقفاً مؤقتاً يمكن أن يشهد تغييراً العام القادم، لا سيما تضمنه إشارات إيجابية أيضاً لسياسيات أنقرة الخارجية في عدد من القضايا والصراعات الدولية، حيث أكد أهمية تركيا الاستراتيجية بالنسبة للاتحاد الأوروبي لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.
ويستند الأمل التركي في الانضمام للاتحاد الأوروبي، إلى حاجة أوروبا لتعاون استراتيجي مع تركيا بهدف الاستفادة من أنقرة التي تمتلك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولديها موقع جيوستراتيجي، وقدرات عسكرية وصناعة دفاعية متنامية، تتصدرها المسيّرات التي تبيعها لأوكرانيا بجانب احتفاظها بعلاقة مع روسيا التي تمر سفنها في مضيق البوسفور التركي.
وترى أنقرة أن إعادة تشكيل الإطار الأمني الأوروبي يمر عبر ضمها للاتحاد الأوربي بعد أن زادت شكوك الدول الأوروبية في التزام واشنطن بالأمن الأوروبي عقب تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيادة البيت الأبيض مطلع العام الحالي والذي سيظل فيه لأربعة أعوام.
وبجانب حرص أوروبا على إبقاء تركيا في موقف قوي عند حدود القارة الشرقية القريبة من روسيا وأوكرانيا، فإن لدى أنقرة حدوداً جنوبية مع الشرق الأوسط، ونفوذاً في دول بينها سوريا، المجاورة لإسرائيل التي تحظى بدعم أوروبا، ولا سيما ألمانيا.
وترى أوروبا في هذا الدور التركي، وسيلة لإرساء سلام واستقرار في الشرق الأوسط، يقلل عدد المهاجرين القادمين إليها، ويبقي سوريا في دائرة النفوذ التركي وضمان عدم عودة روسيا وإيران لتلك الساحة.