تبدو موسكو اليوم في موقع أفضل من كييف، ليس فقط بسبب حجم قواتها، ولكن أيضًا لتعدد مصادر الدعم العسكري والاقتصادي الذي تتلقاه من حلفائها، مقارنة بالقيود والبيروقراطية التي تعرقل وصول المساعدات الغربية لأوكرانيا.
في أبريل 2025، أكدت كوريا الشمالية لأول مرة إرسال قواتها إلى روسيا، حيث نقل الجنود عبر سفن روسية إلى فلاديفوستوك وزودوا بزي عسكري روسي وهويات مزيفة لإخفاء أصلهم.
وتشير تقديرات كييف وسيول إلى أن أكثر من 10,000 جندي كوري شمالي نشطوا في المعارك، مقابل مساعدات اقتصادية وتكنولوجية حصلت عليها بيونغ يانغ من موسكو.
وأظهر هؤلاء الجنود قدرة كبيرة على التكيف مع أساليب الحرب الحديثة، بما فيها الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى كفاءتهم البدنية العالية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2025، افتتح كيم جونغ أون متحفًا لتكريم الجنود الكوريين المشاركين في العمليات الروسية.
وأكد أن ذلك يمثل بداية تاريخ جديد من التضامن القتالي بين البلدين، وتتراوح التقديرات حول الخسائر بين 300 قتيل و4,000 جريح، مع توقع إرسال ما يصل إلى 150,000 جندي إضافي في المستقبل.
الطائرات الإيرانية
وخلال 2025، شكلت الطائرات بدون طيار الإيرانية Geran-2 وGerbera عنصرًا أساسيًا في القدرات الروسية، حيث أطلقت موسكو عشرات الآلاف منها على أوكرانيا، بأسعار منخفضة نسبيًا مقارنة بالصواريخ الموجهة، مع معدل خسارة يصل إلى 75%.
وفي نوفمبر 2025، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن تورط شركات أوكرانية في توفير مكونات حيوية للطائرات الإيرانية، ما أضاف بعدًا جديدًا ومعقدًا للصراع المستمر.
كما لعب الدعم الصيني دورًا حاسمًا في إبقاء القدرات العسكرية الروسية مستمرة، سواء عبر توفير المكونات التكنولوجية والطيران أو من خلال الإمدادات الاقتصادية، حيث شكلت الصين حوالي 35% من إيرادات صادرات النفط والغاز الروسية، بما يعادل نحو 83 مليار دولار، ما يخفف من آثار العقوبات الغربية على موسكو.
كما قدمت الصين معدات وتقنيات حيوية للطائرات الروسية بدون طيار، وأرسلت خبراء عسكريين للتدريب المشترك، بما يعزز التعاون العسكري والتقني بين البلدين ويضمن استمرار العمليات الروسية على الأرض.
وعلى الجانب المقابل، تواجه أوكرانيا تأخيرات واضحة في وصول الدعم العسكري من الغرب، خاصة الولايات المتحدة، نتيجة قيود بيروقراطية، ومخاوف من التصعيد العسكري، واعتبارات اقتصادية وسياسية.
أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية
ففي بداية يوليو 2025، علقت الولايات المتحدة تسليم أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الموجهة، بينما استغرق تسليم المركبات المدرعة والمدفعية الدقيقة وقتًا أطول من المتوقع.
وبسبب هذه التأخيرات، اضطرت أوكرانيا إلى التكيف مع نقص الأسلحة الحيوية في مواجهة القوات الروسية المدعومة بقوة من حلفائها.
ويرى الخبراء أن روسيا تبدو أكثر حظًا من أوكرانيا في تلقي الدعم العسكري، حيث تحصل موسكو على مساعدات واسعة من حلفائها مثل كوريا الشمالية والصين وإيران، تشمل الدعم البشري والتقني، بينما تواجه أوكرانيا صعوبة في الحصول على ما تحتاجه من الغرب، خاصةً من الولايات المتحدة بسبب طبيعة أنظمتها السياسية والقيود البرلمانية التي تبطئ عملية اتخاذ القرار.
انقسام المواقف الأوروبية
وأكد الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، د. ياسين رواشدي، أن المعطيات الحالية تُظهر بوضوح أن روسيا تتلقى دعمًا عسكريًا واسعًا من كوريا الشمالية "أكبر بكثير وأشد سخاء" مما تحصل عليه أوكرانيا من عدد من الدول الأوروبية، فضلًا عن الدعم المتزامن الذي تقدمه كل من الصين وإيران لموسكو.
وقال في تصريح لـ"إرم نيوز" إن هذا الدعم الضخم لا يمكن مقارنته بالدعم "المبرمج والبطيء والمقنن" الذي تقدمه الدول الغربية لكييف، وهو دعم تعتبره أوكرانيا محدودا ويصلها متأخرا وغير متناسب مع حجم التحديات العسكرية التي تواجهها دولة ذات إمكانيات محدودة مثل أوكرانيا.
وأضاف الدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، أن الفارق الجوهري يرتبط بطبيعة الأنظمة السياسية نفسها؛ فالدول الداعمة لروسيا، مثل إيران وكوريا الشمالية، لا تمتلك برلمانات فاعلة ولا أصوات معارضة ولا مؤسسات تُناقش أو تُحاسب، ما يمنح الحكومات هناك حرية مطلقة في اتخاذ القرار العسكري دون قيود.
وأشار إلى أن الصورة في أوروبا مختلفة تمامًا؛ فدولة مثل ألمانيا تحتاج حكومتها إلى الحصول على موافقة البرلمان ومناقشة الأحزاب الحليفة قبل تمرير أي حزمة دعم عسكري.
وأوضح أن طبيعة النظام البرلماني التشاوري تجعل المساعدات الأوروبية لأوكرانيا "بطيئة، مقننة، محددة، وأكثر شفافية"، وهو ما يؤدي إلى تأخر وصول الدعم في اللحظة المناسبة، بحيث تأتي المساعدات بعد تكبد كييف خسائر ميدانية ومادية ونفسية.
وأكد أن آليات اتخاذ القرار تختلف داخل أوروبا نفسها، ففي كوريا الشمالية أو الصين يكفي قرار فرد واحد، بينما تحتاج فرنسا إلى توافق داخل التحالفات الحزبية، وفي بريطانيا توجد معارضة وإعلام ناقد، إضافة إلى صعود تيارات يمينية تتعاطف سياسيا مع روسيا وتعتقد أن كلفة الحرب مرتفعة ولا ينبغي تحميل المواطن الأوروبي عبئها.
وشدد الأكاديمي والدبلوماسي على أن طبيعة النظام السياسي وشكل صناعة القرار ينعكسان مباشرة على مستوى الدعم العسكري ووتيرته بين أوروبا الغربية من جهة، وبين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران من جهة أخرى.
من جانبه، أكد د. حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن المصالح المشتركة ومناهضة الغرب وتحدي الهيمنة الغربية تُعد من أبرز العوامل التي تدفع حلفاء موسكو إلى تقديم دعم واسع لها، موضحًا أن هذا الدعم يتحرك ضمن إطار استراتيجي ورؤية عالمية جديدة قائمة على تعدّد الأقطاب وتعدّد القوى المؤثرة في النظام الدولي.
وقال في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن جميع حلفاء موسكو يدفعون في هذا الاتجاه، إلى جانب وجود تعاون عسكري واقتصادي كبير بين روسيا وشركائها، وهو ما يعزز هذا التقارب ويدعمه على المستويات كافة.
صدام أوروبي مع روسيا
وأوضح أن المشهد على الجهة المقابلة يبدو مختلفًا تمامًا؛ إذ أوضح أن حلفاء أوكرانيا يتعاملون مع التطورات بخوف وحذر شديدين من احتمالات التصعيد المباشر أو الانزلاق إلى صدام عسكري مع روسيا، الأمر الذي قد يقود إلى حرب نووية أو حرب عالمية ثالثة "تأكل الأخضر واليابس".
وأضاف أن هذه الدول تتبنى رؤية واضحة تهدف إلى عدم دفع الأمور نحو نقطة اللاعودة، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن أوروبا والولايات المتحدة تحملتا أعباء اقتصادية كبيرة نتيجة دعمهما لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب، وهي حرب كبّدت الاقتصادين الأوروبي والأمريكي خسائر جسيمة.
وأوضح فارس أن هناك عاملًا آخر لا يقل أهمية يتمثل في تباين المصالح بين حلفاء أوكرانيا أنفسهم؛ فهناك من يسعى إلى تأجيج الصراع، فيما يدفع آخرون نحو محاولة الوصول إلى تفاهمات حقيقية على أرض الواقع.