في ظل تاريخها الطويل كواحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارًا في غرب إفريقيا، تواجه غانا تحديات متزايدة تهدد أمنها الداخلي.
تصاعد النزاعات القبلية والعرقية والسياسية، مدفوعة بالمنافسة على الأراضي والموارد، يضع سمعة البلاد على المحك ويثير تساؤلات حول قدرة الدولة على الحفاظ على الاستقرار في مناطقها الحدودية والحضرية على حد سواء، وفق موقع "ذا أفريقيا ريبورت".
الزعامات التقليدية وحقوق الأرض
وتعود العديد من النزاعات الحالية في غانا إلى الصراعات التاريخية بين الزعماء التقليديين.
في شمال البلاد، تُشكل باوكو نقطة توتر رئيسية بين قبيلتي كوساسي ومامبروسي، حيث يتصارع الفصيلان على الاعتراف بالشرعية التقليدية.
النزاع ممتد منذ عقود، ولم تُفلح الأحكام القضائية، بما فيها المحكمة العليا، في حله، بسبب ارتباط السلطة التقليدية بالهوية الاجتماعية والانتماء الإقليمي.
على طول حدود فولتا وأوتي، تبرز نزاعات أخرى معقدة، تشمل جماعات أنلو وإيوي وأديل ونتربو، حول السيادة على الأراضي والوديان الخصبة والمحميات الحرجية.
غالبًا ما تندلع هذه النزاعات فجأة أثناء تنصيب زعماء أو جنازات حكام تقليديين، لكنها تتغذى على مظالم تاريخية تراكمت عبر قرون، مما يجعل أي صدام عنيف محتملًا.
إضافة إلى ذلك، تلعب المنافسة على الموارد دورًا حاسمًا في تأجيج الصراعات. في مناطق التعدين غير القانوني بشمال البلاد وغربها، تتقاتل الفصائل على امتيازات الذهب الصغيرة، فيما يؤدي انعدام الأمن، مثل تدفقات الأسلحة غير المنظمة إلى زيادة العنف وتعقيد السيطرة عليه.
تصعيد الولاءات الحزبية
على الرغم من أن الدستور الغاني يحظر على الزعماء التقليديين الانخراط في السياسة الحزبية، إلا أن الواقع العملي يظهر ارتباطًا وثيقًا بين النزاعات القبلية والولاءات السياسية.
غالبًا ما تتلقى الفصائل المتنازعة دعمًا ضمنيًا من الحزب الوطني الجديد (NPP) أو المؤتمر الوطني الديمقراطي (NDC)، خصوصًا في مناطق تتداخل فيها الكتل العرقية مع أنماط التصويت الحزبية.
وتُعقّد هذه التحالفات جهود السلام المحلي، خاصة خلال الانتخابات، حيث يُفسر أي تدخل حكومي، مثل تعيين مسؤول محلي أو نشر قوات أمنية، على أنه انحياز لفصيل معين.
على مستوى البلديات، يؤدي هذا الانقسام إلى تفاقم النزاعات على توزيع الموارد، والمجالس المحلية، ورؤساء المقاطعات التنفيذيين، مما يضعف الثقة بين السكان والدولة ويجعل الحلول الأمنية قصيرة الأمد غير فعّالة.
فعالية الدولة والتهديدات للإستقرار
اعتمدت الحكومة الغانية على حظر التجول، والانتشار العسكري، ولجان الوساطة المؤقتة لاحتواء العنف، لكنها لم تعالج الأسباب الجذرية للنزاعات.
في مناطق مثل باوكو، لم تؤدِ الإجراءات الأمنية المتكررة إلى هدوء دائم، بل ساهمت أحيانًا في تعميق الاستياء المحلي.
وتواجه المجالس الوطنية والإقليمية للزعماء، المكلفة بالوساطة، صعوبات كبيرة عندما تمتد النزاعات لتشمل جماعات عرقية أو أحكام تاريخية، خصوصًا عند غياب إرادة سياسية حقيقية وتنفيذ طويل الأمد.
تأثير هذه النزاعات على صورة غانا الدولية واضح: استمرار العنف في المناطق الحدودية، وخصوصًا قرب ممر الساحل، يثير قلق المحللين الأمنيين والمستثمرين بشأن تعرض البلاد لتسلل الجماعات المسلحة.
كما تهدد النزاعات بالحد من التماسك الاجتماعي، وزيادة النزوح المحلي، وإرهاق ميزانيات الأمن، وهو ما قد يقلل من قدرة الدولة على فرض سلطة القانون في المدى الطويل.
لذلك، يشير تصاعد النزاعات العرقية والقبلية إلى أن غانا، رغم سجلها الديمقراطي المتميز، تواجه اختبارًا حقيقيًا لقدرتها على إدارة التنوع العرقي والسياسي، وحماية أمن مواطنيها، وضمان استمرار ثقتها الدولية كمثال للاستقرار في خليج غينيا.
