حوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السياسة الخارجية لإسرائيل في السنوات الأخيرة إلى أداة بقاء سياسي شخصي، متجاهلًا تحذيرات كبار المسؤولين الأمنيين والدبلوماسيين وحتى الحلفاء الدوليين.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في تقرير لها أن العمليات العسكرية في غزة، التي يواصل جيش الدفاع الإسرائيلي تنفيذها، لم تعد مجرد مواجهة مع حماس، بل أصبحت اختبارًا للقدرة الإسرائيلية على الحفاظ على تحالفاتها الدولية وصورتها العالمية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الواقع على الأرض يروي قصة مثيرة للقلق: عزلة إسرائيل تتفاقم، واتفاقيات السلام مهددة، والدعم الدولي يتآكل، فيما تتصاعد موجة معاداة السامية في الخارج.
ويعد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، من بين الأصوات التحذيرية القليلة، ويحذر بشكل مستمر من الثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي.
ومع ذلك، يبدو أن نتنياهو يستمع فقط إلى شركائه الأكثر تشددًا، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يضغطان باتجاه سياسة صارمة في غزة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الأراضي.
وقالت الصحيفة إن أبرز الأمثلة على تجاهل التحذيرات الأمنية كان محاولة الاغتيال الفاشلة لقادة حماس في الدوحة، والتي عارضها كبار المسؤولين الأمنيين بمن فيهم رئيس الموساد ديفيد برنياع.
وأضافت أن التحذيرات كانت واضحة: توقيت العملية محفوف بالمخاطر، وقد يقوض العلاقات مع دول الخليج التي تلعب دورًا محوريًا كوسطاء في مفاوضات الرهائن.
لكن نتنياهو، وفقًا للتقارير، ركّز على البقاء السياسي، متجاهلًا التداعيات الدبلوماسية؛ والنتيجة كانت تصاعد التوترات مع قطر وعدد من الدول الأخرى، مما زاد من صعوبة جهود الوساطة وأضر بمكانة إسرائيل الدولية.
لم يخف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش طموحاته بعد الحرب، إذ تحدث عن "اليوم التالي" في غزة باعتباره فرصة لتحويل القطاع إلى "ثروة عقارية هائلة"، مع بدء محادثات مع الجانب الأمريكي للاستثمار في إعادة الإعمار.
فهذه التصريحات تعكس رؤية سياسية قصيرة النظر، حيث تُستغل الحرب لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية داخلية، على حساب الأمن القومي والدبلوماسية الدولية.
وتكمن أهم مكاسب إسرائيل الاستراتيجية في اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، بالإضافة إلى اتفاقيات إبراهيم مع دول الخليج.
هذه الاتفاقيات ليست مجرد وثائق دبلوماسية، بل تمثل شبكة أمان للتعاون الاستخباراتي والاقتصادي والأمني؛ لكن العمليات العسكرية في غزة تهدد هذه الشبكة؛ حيث أعربت الإمارات والبحرين عن انزعاجهما، مع تحذيرات واضحة حول ضم الأراضي في الضفة الغربية وتأثيره على العلاقات؛ ومن الأردن ومصر والمغرب، صدرت إشارات مماثلة تشير إلى القلق من الانجرار وراء سياسات إسرائيل المتشددة.
كما تتصاعد في أوروبا، الضغوط أيضًا: إسرائيل بلا سفراء في إسبانيا والنرويج وأيرلندا، وتهدد فرنسا بإغلاق القنصلية الفرنسية بعد اعتراف باريس بالدولة الفلسطينية، وفي فرنسا، يبحث المسؤولون الحد من أنشطة الموساد، الذي لطالما تعاون مع السلطات المحلية في مكافحة الإرهاب.
كل هذه الخطوات تشير إلى أن إسرائيل بدأت تفقد الأرضية الدبلوماسية التي بنتها على مدى عقود.
لم يعد الحليف الأمريكي التقليدي بمنأى عن الانقسامات؛ فالدعم داخل الحزب الديمقراطي تراجع منذ فترة طويلة، إذ إن الجمهوريين يظهرون بوادر تصدع.
وبينما يواصل ترامب وحلفاؤه دعم إسرائيل، يطالب جزء من قاعدة حركة MAGA بالابتعاد عن نتنياهو ووقف المساعدات العسكرية التي كانت مخصصة لتعزيز الحدود والأمن الداخلي منذ اتفاق السلام مع مصر.
وقد تجمّدت المبادرات الدبلوماسية الإسرائيلية، حيث أُبلغ المبعوثون بأن "هذا ليس الوقت المناسب" لاستئنافها، ومن المتوقع أن يستمر هذا الجمود حتى انتهاء الحرب.
منذ السابع من أكتوبر، صور الإعلام العالمي وإعلام التواصل الاجتماعي إسرائيل كمعتدٍ، بينما حظيت حماس بتعاطف دولي مفاجئ.
هزيمة إسرائيل في معركة الرأي العام، خصوصًا بين الشباب، جاءت بالتزامن مع تصاعد معاداة السامية واستهداف الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، ما وضع إسرائيل في موقف دفاعي صعب دبلوماسيًا وأمنيًا وإنسانيًا.
وحذر ساعر من أن استمرار الحرب قد يسبب تداعيات اقتصادية ودبلوماسية خطيرة، مؤكدًا أن "استعادة مكانتنا تتطلب وقف إطلاق نار لإظهار الجانب الطبيعي للقصة الإسرائيلية"؛ إلا أن دعواته قوبلت بالرفض، مع إصرار نتنياهو على تحقيق "استسلام حماس الكامل"، فيما يحذر قادة الأمن من أن الحكم العسكري في غزة سيخلق فراغًا خطيرًا ويزيد التصعيد.
ولفت تقرير الصحيفة الإسرائيلية إلى أنه مهما كان اقتصاد إسرائيل قويًا، فإن العزلة الدولية المستمرة ستؤثر على الأمن والصورة العالمية وحتى الاقتصاد نفسه.
وقد تُجبر التحركات الحالية في غزة، المدفوعة بالبقاء السياسي لنتنياهو وتجاهل التحذيرات الأمنية والدبلوماسية، إسرائيل قريبًا على مواجهة واقع العزلة الدولية؛ وإذا لم يتم تعديل المسار، فإن السياسات الحالية ستترك آثارًا بعيدة المدى على مكانة إسرائيل الاستراتيجية والإنسانية في الشرق الأوسط والعالم.