أعلنت الحكومة الفرنسية أمس الخميس إلغاء جلسات البرلمان المقررة نهاية هذا الأسبوع لمناقشة مشروع ميزانية 2026، مشيرة إلى "إرهاق" يعانيه النواب والمساعدون والإداريون، الأمر الذي قوبل باعتراض شديد من اليسار متهماً الحكومة بمحاولة منع التصويت على النص.
وبذلك، سيحصل النواب على عطلة إجبارية خارج قصر بوربون، رغم أن فحص مشروع قانون المالية بدأ للتو ويُناقش في آجال دستورية ضيقة للغاية.
وبحسب وسائل إعلام فرنسية، كان من المقرر إجراء تصويت يوم الاثنين على الجزء المتعلق بإيرادات الدولة، لكن وزير العلاقات مع البرلمان لوران بانيفوس أكد أن "الوتيرة الحالية تجعل من المستحيل إنهاء 1900 تعديل متبقٍ بحلول الاثنين".
وقال بانيفوس أمام الجمعية الوطنية إنه تلقى طلبات من عدة مجموعات برلمانية لـ"مراعاة الإرهاق الناجم عن أسابيع طويلة من المناقشات المالية".
وأعلن بالتالي تعليق الجلسات يومي السبت والأحد، على أن تستأنف صباح الاثنين ابتداءً من التاسعة، بدلاً من منتصف النهار، وهو القرار الذي أثار غضبا كبيرا في صفوف اليسار.
من جهتها، وصفت سيريال شاتلان، عضو مجلس النواب عن حزب الخضر، في تقرير حول قضية تأجيل التصويت على الميزانية نشرته صحيفة "ليبراسيون"، الخطوة بأنها "تنظيم متعمد من الحكومة لمنع الجمعية من التصويت على الميزانية"، وفق قولها.
ودعا مانويل بومبارد، عضو حزب "فرنسا الأبية"، الحكومة إلى عدم استخدام "إرهاق البعض" ذريعة لعرقلة العملية الديمقراطية.
ووفق تقرير الصحيفة، ينص الدستور على إحالة النص كاملاً إلى مجلس الشيوخ بحلول منتصف ليل 23 نوفمبر، لكن النواب لن يتمكنوا عملياً من إنهاء المناقشات، حتى على جزء الإيرادات فقط.
وأعلن الاشتراكيون سحب تعديلاتهم جماعياً لتمكين التصويت، بينما كشف حزب "فرنسا الأبية" تخليه عن 15% من تعديلاته معلنا استعداده لسحب المزيد.
وفي وقت سابق الخميس، طالب نواب من التجمع الوطني، والجمهوريين، وحزب الرئيس الفرنسي ماكرون "النهضة " ومجموعة "ليو - الحريات والمستقلين والأقاليم البعيدة"، بتعليق الجلسات نهاية الأسبوع، مشيرين إلى ظروف عمل "سيئة".
وكان فحص ميزانية الدولة قد بدأ قبل ثلاثة أسابيع، ثم توقف تسعة أيام لمناقشة ميزانية الضمان الاجتماعي، مع تصويت الأربعاء على تعليق إصلاح المعاشات لعام 2023.
لكن النقاش لم يصل إلى خواتيمه، في حين يتهم معارضون الحكومة وبعض المجموعات بترتيب الأمر لتجنب تصويت نهائي.
واعترف مصدر في حزب ماكرون "النهضة" بأنه "أمام الفظائع التي صوت عليها، ليس لدينا مصلحة في الوصول إلى التصويت"، وفق ما نقلت عنه الصحيفة.
في الإطار، كشف مصدر في حزب ماكرون "النهضة" لصحيفة "ليبراسيون" عن السبب الحقيقي وراء تأييد الحزب لتعليق الجلسات، قائلاً حرفياً: "بعد الموافقة على تعديلات كارثية، لم نعد نملك مصلحة في الوصول إلى التصويت النهائي".
ويرى خبراء أن المصدر هنا يشير إلى أن الحكومة وحلفاءها يخشون أن تُسجل هزيمة رسمية إذا أجري التصويت الكامل على الميزانية، بعد أن مررت المعارضة "بمساعدة بعض الأصوات المتمردة" تعديلات ضريبية وبندية تُعتبر "فظيعة" من وجهة نظر السلطة، مثل إلغاء ضرائب على الأثرياء أو إبقاء إعفاءات المعاشات.
لذا، فإن تعليق الجلسات يُجنبهم تصويتاً نهائياً قد يُحرجهم سياسياً.
وفي ضربة موازية للحكومة، حافظ النواب الخميس على الإعفاء الضريبي بنسبة 10% على المعاشات، رافضين إلغائه الذي كان سيوفر 1.2 مليار يورو.
وكان مشروع الميزانية يقترح استبدال النسبة بإعفاء ثابت قدره 2000 يورو، لكن اليسار والتجمع الوطني والجمهوريين اتحدوا لإسقاط الإجراء.
واعتبرت وزيرة الحسابات العامة أميلي دي مونتشانين أن الإعفاء الجديد سيخلق "تضامناً بين المتقاعدين" بانخفاض ضريبي لـ1.6 مليون من الأكثر تواضعاً، لكن النائب الشيوعي نيكولا سانوس حذر من أن الإجراء الأصلي كان سيرفع الضريبة ابتداءً من 1667 يورو شهرياً.
وندد رئيس مجموعة اليمين الجمهوري في البرلمان لوران ووكيز بـ"الاعتداء على القوة الشرائية لمن عملوا طوال حياتهم".
ولا يزال أمام النواب مناقشة ضرائب أخرى مثيرة للجدل، مثل تلك على الطرود الصغيرة في ظل الضجة التي أحدثتها قضية شركة "شي إن"، وزيادة رسوم تصاريح الإقامة التي يندد بها اليسار.
وسبق أن صوت النواب على ضرائب تستهدف الشركات متعددة الجنسيات والأرباح الفائقة، رغم فشل ضريبة زوكمان (اقتراح من الاقتصادي غابرييل زوكمان لفرض 2% على الثروات فوق 100 مليون يورو)، ما دفع معسكر الحكومة للتحذير من "جنون ضريبي".