مناورات "زاباد-2025" لم تكن مجرد عرض عسكري روسي-بيلاروسي، بل كانت اختبارًا سياسيًّا لواشنطن ومحاولة من لوكاشينكو لتسويق نفسه كجسر بين ترامب وبوتين.
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن تحليق مقاتلات روسية وبيلاروسية فوق دبابات تحطم منازل خشبية وهمية على أراضٍ واسعة قرب بوريسوف، فيما ملأت الطائرات المسيرة سماء المكان، تبعتها القوات البرية، رافعةً أعلام الحلفاء فوق قطعة أرض “محررة”، ما هو إلَّا مشهدٌ يرمز إلى القوة العسكرية والتحالفات بين موسكو ومينسك.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن هذه المشاهد جزء من مناورات "زاباد-2025"، التي انطلقت يوم الجمعة وتستمر حتى الثلاثاء، وأعلن على أنها دفاعية ضد غزو غربي افتراضي، في إشارة إلى الناتو، إلَّا أن أوروبا تراقب بقلق، بعد تسجيل تحركات الطائرات الروسية داخل بولندا ورومانيا الأسبوع الماضي، وتبقى الشكوك حول نوايا موسكو قائمة.
يرى الخبراء أن اللافت في هذه الدورة، زيارةٌ مفاجئةٌ لمسؤولين أمريكيين، للمرة الأولى منذ سنوات، لمراقبة التمارين العسكرية؛ إذ إن حضورهم سلَّط الضوء على التباين بين أوروبا وواشنطن في مقاربة التعامل مع روسيا، وأثار تساؤلات حول مدى صرامة إدارة ترامب في الرد على موسكو؛ ما دفع بولندا لنشر 40 ألف جندي على حدودها مع بيلاروسيا وإغلاق المعبر الحدودي، في خطوة اقتصادية وسياسية مؤثرة.
من جهته قال كونراد موزيكا، المحلل العسكري في شركة "روشان الاستشارية" البولندية، إن مناورات "زاباد" هذا العام يصعب تقييمها بدقة بسبب قلة المعلومات التي نشرتها روسيا وبيلاروسيا مقارنةً بالسنوات السابقة.
موضحًا أن "أحد التفسيرات قد يكون انشغال القوات الروسية بمعارك أوكرانيا؛ ما جعلها غير قادرة على إجراء تمرين شامل، بينما الاحتمال الآخر هو أن موسكو ومينسك تعمّدان إخفاء حقيقة ما يجري في بيلاروس والسيناريوهات التي يتم التدرب عليها".
وكشف مطّلعون أن "زاباد-2025" أظهرت تراجع حجم القوات الروسية مقارنة بتمارين 2021، التي ضمَّت 200 ألف جندي وسبق أن شكلت غطاءً للتحركات التي مهدت للغزو الروسي لأوكرانيا، غير أن هذا العام شهد مشاركة نحو 1,000 جندي روسي و7,000 بيلاروسي فقط؛ ما يعكس ضغوط موسكو الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
من جهةٍ أخرى، من المرجّح أن بيلاروسيا تستغل هذه المناورات لتسويق رئيسها، ألكسندر لوكاشينكو، كوسيط محتمل بين ترامب وبوتين؛ فبعد حصوله على تخفيف جزئي للعقوبات الأمريكية عن الخطوط الجوية الوطنية، يُحاول لوكاشينكو تعزيز دوره الدولي، بينما يعيش السكان المحليون العزلة الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن اعتماد البلاد على موسكو وبكين، خصوصًا بعد أن امتلأت المكتبات المحلية بكتب روسية وصينية بدلًا من الكتب الغربية.
وحذّر محلّلون عسكريون من أن احتمال انخراط بيلاروسيا في القتال بأوكرانيا ضعيفٌ للغاية، كما أن موسكو لن تستخدم أراضيها لشن هجوم جديد.
وقال المحلل العسكري في مينسك، ألكسندر أليسين: «أوكرانيا حصّنت وزرعت الألغام في جميع محاور الغزو المحتملة من بيلاروسيا، وعنصر المفاجأة انتهى، بينما تُعاني روسيا من استنزاف احتياطاتها».
في النهاية، زاباد-2025 لم تكُن مجرد عرض عسكري، بل رسالة مزدوجة: أوروبا قلقة من موسكو، وواشنطن تراقب، ولوكاشينكو يسعى لتعزيز موقعه كجسر دبلوماسي بين القوتين العظميين، في وقت يشهد فيه الشرق الأوروبي اختبارًا حساسًا للتوازنات العسكرية والسياسية.