في خطوة تعيد باريس إلى قلب المعادلة المتأزمة، يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لاستعادة زمام المبادرة بدعوة الأطراف المتنازعة في كاليدونيا الجديدة إلى مفاوضات جديدة في العاصمة الفرنسية منتصف يونيو/حزيران المقبل.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن ماكرون، بالتعاون مع الحكومة، سيدعو الأطراف المعنية في كاليدونيا الجديدة لزيارة باريس بدءًا من منتصف يونيو/حزيران المقبل، للعمل سويًا على توضيح القضايا الاقتصادية والسياسية والمؤسساتية، في أفق التوصل إلى اتفاق مشترك بشأن مستقبل الأرخبيل.
وكان وزير ما وراء البحار، مانويل فالس، قد قاد في بداية مايو/أيار الجاري مفاوضات استمرت ثلاثة أيام في فندق ديفا بمدينة بوراي، دون أن يتمكن من التوفيق بين الاستقلاليين والمعارضين للاستقلال حول وضع جديد لكاليدونيا الجديدة.
وشهدت كاليدونيا الجديدة منذ منتصف مايو/أيار العام 2024، أعمال شغب عنيفة أودت بحياة 14 شخصًا، وخلفت أضرارًا بمليارات اليوروهات، في سياق أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة.
وتعكس دعوة ماكرون، التي تأتي بعد فشل وساطة وزير ما وراء البحار، مانويل فالس، قلق الإليزيه المتزايد من انزلاق الأرخبيل نحو مزيد من العنف، وسط جراح لم تندمل بعد، و14 قتيلًا لا تزال دماؤهم شاهدة على هشاشة الوضع.
فهل تُعيد طاولة باريس تشكيل مصير الأرخبيل، أم أن الانقسام العميق سيبدد آخر فرص التوافق؟
يقول الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون ما وراء البحار في جامعة نيس، جان لوك بيري، إن "ماكرون يُدرك أن انفجار الوضع في كاليدونيا الجديدة قد يتسبب في أزمة غير مسبوقة، ليس فقط داخل الأرخبيل بل على مستوى صورة فرنسا كمستعمر سابق".
ويرى بيري، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن دعوة الأطراف إلى باريس محاولة لإعادة فرض مركزية القرار، والتوصل إلى ميثاق سياسي يُجنّب البلاد جولة جديدة من العنف، لكن التحدي الأكبر يكمن في غياب الثقة بين المعسكرين، واستمرار الضغط الشعبي الكاناكي.
وتُعتبر هذه الاضطرابات الأكثر عنفًا منذ ثمانينات القرن الماضي، وقد اندلعت في 13 مايو/أيار احتجاجًا على مشروع توسيع الهيئة الناخبة في الانتخابات الإقليمية، الذي رفضه الاستقلاليون بشدة، معتبرين أنه يُضعف وزن السكان الأصليين الكاناك.
ومنذ العام 2007، يقضي تجميد الهيئة الناخبة باستبعاد معظم الوافدين إلى كاليدونيا الجديدة بعد نوفمبر/تشرين الثاني العام 1998 من التصويت في الانتخابات الإقليمية، وهو تاريخ توقيع اتفاقات نوميا.
وبعد آخر استفتاء على تقرير المصير العام 2021، والذي قاطعه الاستقلاليون، بقيت الحياة السياسية في الأرخبيل مجمدة.
وأُعيد إطلاق المفاوضات بشأن الوضع المستقبلي لكاليدونيا في مطلع العام الجاري.
وأكد مانويل فالس، الأحد الماضي، أنه لا يزال مسؤولًا عن إدارة هذه النقاشات.
ورغم تمكنه من جمع المعسكرين المتضادين حول الطاولة، إلا أنه لم ينجح في الوصول إلى اتفاق، وقال: "لقد فشلت المفاوضات، لكن خيط الحوار لم ينقطع".