أثارت استقالة رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان ليكورنو، صباح اليوم الاثنين، بعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة على إعلان تشكيل حكومته الجديدة، جدلًا وصدمة قوية في المشهد السياسي الفرنسي.
وبينما قبل الرئيس إيمانويل ماكرون الاستقالة على الفور، اشتعلت ردود الفعل من مختلف الأحزاب، التي اعتبرت الخطوة دليلًا على أزمة عميقة تعصف بالسلطة التنفيذية. فقد جاء رحيل ليكورنو ليكشف هشاشة التوازنات السياسية في مرحلة تتسم بعدم الاستقرار، وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية متزايدة.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن قبول ماكرون لاستقالة ليكورنو وضع الإليزيه أمام معضلة جديدة، إذ يتعين على الرئيس البحث سريعًا عن بديل قادر على تشكيل حكومة مستقرة في ظل برلمان منقسم.
ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإن الخطوة التي بدت مفاجِئة حتى للمقربين من الحكومة، جاءت بعد انتقادات واسعة طالت التشكيلة الوزارية الجديدة التي لم تصمد سوى ساعات، فيما وصف مراقبون الحدث بأنه "أزمة ثقة" بين الرئيس وطبقة سياسية فقدت قدرتها على التفاهم أو المبادرة.
وسارع حزب الجمهوريين (يمين) إلى تحميل الرئيس مسؤولية المأزق الحالي، إذ قال نائب رئيس الحزب، فرانسوا زافييه بيلامي، إن حزبه "لا يخشى حل البرلمان"، رافضًا أي محاولة من الإليزيه لإلقاء اللوم على المعارضة.
وأضاف أن الجمهوريين "لن يمنحوا الماكرونية جولة أخيرة"، في إشارة إلى رفضهم دعم أي حكومة جديدة تحت وصاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي موقف أكثر حدة، دعا ديفيد ليسنار، عمدة كان، الرئيس إلى "برمجة استقالته"، معتبرًا أن "مصلحة فرنسا تقتضي رحيله من أجل الحفاظ على المؤسسات وإنهاء الجمود السياسي الذي سببه".
بدوره، قال أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، في مقابلة مع إذاعة فرانس إنتر: "الشعور السائد هذا الصباح هو الذهول".
وأضاف: "نحن نشهد أزمة سياسية غير مسبوقة، حيث انهار تمامًا القاسم المشترك الذي كان يجمع مختلف القوى".
وأشار فور إلى الانتقادات التي وجهها برونو ريتايو بشأن غياب "القطيعة"، وإلى انسحاب حزب الاتحاد الديمقراطي المستقل (UDI)، وكذلك إلى ابتعاد غابرييل أتال عن رئيس الدولة، معتبرًا أن الحكومة الجديدة "في حالة ضعف غير مسبوقة ولم تعد تملك الشرعية للحكم".
كما انتقد موقف حزب الجمهوريين قائلًا إنهم "لا يقدمون خدمة لأحد"، وإنهم "يخوضون نوعًا من الانتخابات التمهيدية غير المعلنة" استعدادًا لانتخابات عام 2027.
وتابع: "إننا أمام مشهد أقرب إلى السيرك منه إلى العمل السياسي الجاد"
من جهته، وصف حزب التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان الوضع بأنه "نهاية الماكرونية". ودعا الحزب جوردان بارديلا الرئيس ماكرون إلى "الاختيار بين حل البرلمان أو الاستقالة"، مطالبًا بعودة عاجلة إلى صناديق الاقتراع.
واعتبر الناطق باسم الحزب، سيباستيان شينو، أن "الدولة في أزمة، والمؤسسات مشلولة، والفرنسيين تُركوا لمصيرهم"، في خطاب يعكس محاولة اليمين المتطرف استثمار الأزمة لتأكيد جاهزيته للحكم.
وداخل المعسكر الرئاسي، تصاعدت موجة الانتقادات، فقد عبرت أنييس بانييه روناشيه، وزيرة الانتقال البيئي التي كان أعيد تعيينها الأحد، عن "يأسها من هذا السيرك السياسي"، معتبرة أن "أحدًا لا يتحمل مسؤولياته".
ودعت إلى "مد اليد لليسار" وتشكيل حكومة جامعة تضم قوى من الوسط واليمين المعتدل. موقفها يعكس تزايد التململ داخل الأغلبية الحاكمة وغياب رؤية مشتركة للخروج من الأزمة.
ولم تقتصر آثار الاستقالة على المشهد السياسي، إذ شهدت بورصة باريس تراجعًا حادًّا فاق 2% خلال الساعات الأولى بعد إعلان الخبر. وتكبدت أسهم كبرى البنوك والشركات خسائر ملموسة، في مؤشر على القلق المتزايد لدى المستثمرين من عدم الاستقرار الحكومي.
وأثر الحدث بدوره في باقي الأسواق الأوروبية التي سجلت انخفاضات طفيفة؛ ما يعكس حجم المخاوف من تداعيات الأزمة السياسية الفرنسية على اقتصاد القارة.
وأشارت "لوموند" إلى أن استقالة ليكورنو تفتح صفحة جديدة من الغموض في الحياة السياسية الفرنسية. فبين دعوات الحل والاستقالة، تبدو البلاد عالقة بين مؤسسات عاجزة عن التفاهم وشارع ينتظر حلولًا ملموسة.