سعت روسيا، تحت غطاء الشراكة المربحة مع إفريقيا، إلى نسج شبكة نفوذ جديدة في القارة عبر ثلاثة مفاتيح أبرزها الخطاب الموحد المناهض للاستعمار الجديد، في وقت ضعف فيه الغرب بسبب الحرب في أوكرانيا.
وأصبحت دول الساحل الإفريقي، على وجه الخصوص، مركز ثقل لروسيا، التي حلت محل القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، حيث مثلت قمة سوتشي الأخيرة نقطة تحول في العلاقات بين موسكو والقارة السمراء في سياق البحث عن حلفاء جدد.
ويأتي هذا الحدث، الذي جمع نحو خمسين دولة إفريقية، في أعقاب قمتي روسيا وإفريقيا لعامي 2019 و2023.
ويرى المحلل السياسي المالي عيسى كيتا أن الكرملين تمكن من لعبة الشطرنج الجيوسياسية في المنطقة عبر ثلاثة مفاتيح تتعلق بالخطاب الموحد المناهض للغرب من خلال إدانة "الاستعمار الجديد"، الذي يستجيب له بصورة إيجابية العديد من الزعماء الأفارقة الذين سئموا إملاءات القوى القديمة.
ولفت المحلل في تصريح لـ"إرم نيوز"، إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية، علما أن روسيا تقوم بتزويد الأسلحة وتدريب الجيوش المحلية وتستثمر في الموارد الطبيعية الإفريقية، وهو ما يعود بالفائدة المتبادلة على الدول الباحثة عن التنمية والسيادة.
وأكد كيتا نجاح موسكو في نشر رسالة إيجابية حول روسيا عبر وسائل الإعلام الروسية وشبكات التواصل الاجتماعي.
وقطعت عدة حكومات إفريقية علاقاتها مع حلفائها الغربيين التقليديين ولجأت إلى موسكو طلباً للمساعدة في مكافحة الهجمات المتكررة التي يشنها المتطرفون.
وفي السياق ذاته، عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما سمّاه "الدعم الكامل" لإفريقيا، وخاصة في الحرب ضد الإرهاب والتطرف.
وقرأ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخطاب أمام نظرائه الأفارقة في قمة عقدت في منتجع سوتشي على البحر الأسود.
وخلال القمة، قال وزير خارجية بوركينا فاسو، كاراموكو جان ماري تراوري، إن روسيا شريك دولي أكثر ملاءمة من القوة الاستعمارية السابقة فرنسا.
وتشترك في هذا الرأي العديد من المستعمرات الفرنسية السابقة. وهو ما أكده وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب، الذي قارن بين شراكة الكرملين "الصادقة" والعلاقات "الاستعمارية الجديدة" للقوى الغربية.
وقال: تستكشف مالي إلى جانب التعاون العسكري مشاريع مشتركة أخرى في قطاعات الطاقة والاتصالات والتكنولوجيا والتعدين.
وتأتي المساعدات الروسية مصحوبة بوعود بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أو تقديم دروس حول كيفية إجراء الانتخابات.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا إن المؤتمر بدد آمال الغرب في عزل روسيا.
وقال لافروف إن علاقات روسيا مع إفريقيا تنمو "أكثر فأكثر" وتحرز تقدماً "على الجبهات كافة".
وأضاف: "أود أن أؤكد مجدداً أن بلادنا ستواصل تقديم الدعم الكامل لأصدقائنا الأفارقة في مختلف القطاعات: ضمان التنمية المستدامة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ومكافحة الأوبئة ومشاكل الغذاء وعواقب الكوارث الطبيعية".
وتعد رواندا، التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع بريطانيا والغرب، إحدى الدول الإفريقية التي وقعت بالفعل اتفاقيات مع موسكو للمساعدة في بناء محطة للطاقة النووية.
وقال وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونجيريه، إن مئات الطلاب الروانديين تخرجوا من الجامعات الروسية، بمن في ذلك "أولئك الذين يتخصصون في العلوم النووية".
كما كشفت روسيا عن نيتها إنشاء منطقة تجارة حرة مع أربع دول كبرى في شمال إفريقيا هي مصر والمغرب وتونس والجزائر.
وهذا المشروع، الذي أعلن عنه فلاديمير بوتين في البداية في أغسطس آب 2023، تم التأكيد عليه مجدداً خلال منتدى الشراكة الروسية الإفريقية في سوتشي يومي 9 و10 نوفمبر تشرين الثاني من قبل أنطون كوبياكوف، مستشار الرئيس الروسي.
وتعكس هذه المبادرة رغبة موسكو في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع القارة الإفريقية، خاصة مع ساحلها على البحر الأبيض المتوسط.