تواجه قمة الإليزيه بشأن مستقبل كاليدونيا الجديدة مأزقًا مؤسسيًا حادًا، بعد إعلان الاستقلاليين رفضهم توقيع أي اتفاق في المرحلة الحالية، رغم إبدائهم اهتمامًا بفكرة "الدولة المرتبطة" بفرنسا.
ورغم محاولات الرئيس إيمانويل ماكرون إعادة بناء الثقة، فإن الخلافات العميقة بين الاستقلاليين والموالين لفرنسا قد تعيق أي تسوية قريبة.
الباحث لوك غرانجيه، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات العليا لدول ما وراء البحار (IHEOM)، قال لـ"إرم نيوز" إن "ماكرون يسعى لإعادة إنتاج معادلة جديدة تجمع بين الحفاظ على النفوذ الفرنسي ومراعاة تطلعات الاستقلاليين".
وأضاف أن "الواقع يُظهر هشاشة المعادلة، خصوصًا أن فكرة الدولة المرتبطة تُفسَّر لدى كثير من الموالين على أنها خيانة لمبدأ السيادة الفرنسية".
وأوضح غرانجيه أن "فرنسا الآن تدفع ثمن سنوات من التردد وغياب رؤية استراتيجية واضحة تجاه أراضي ما وراء البحار، والاحتجاجات الأخيرة في كاليدونيا الجديدة أظهرت أن النموذج القديم انتهى".
من جانبه، ذكر بيار لوران، الخبير في شؤون السيادة الإقليمية والباحث في معهد مونتين، لـ"إرم نيوز" أن "الاستقلاليين يبدون مرونة سياسية ملحوظة بقبولهم المبدأ العام للدولة المرتبطة، وهو ما يمنح باريس فرصة نادرة لإعادة بناء علاقة شراكة مرنة بدل المواجهة".
وحذّر من أن "أي فشل في تحقيق تقدم ملموس سيقود إلى انفجار سياسي مؤجل، لا سيما مع استمرار الغضب الشعبي في الشارع الكاليدوني".
وأعلن زعماء استقلاليون من كاليدونيا الجديدة، يوم الخميس، أنهم لن يوقعوا أي اتفاق خلال قمة الإليزيه، رغم اهتمامهم بفكرة "دولة مرتبطة" بفرنسا قد ترى النور بعد فترة انتقالية تهدف إلى إعادة إعمار الإقليم الذي تأثر بشدة جراء أحداث الشغب في مايو/أيار 2024.
وقال ميكائيل فورست، عضو وفد "جبهة التحرير الوطني الكاناكية والاشتراكية" (FLNKS)، خلال مؤتمر صحفي: "لن يتم توقيع أي اتفاق خلال هذه المرحلة، سواء مكثنا أسبوعًا أو شهرًا"، بحسب صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
من جهته، أوضح النائب إيمانويل تيجياو، الذي يقود وفد FLNKS، أن المحادثات الحالية مجرد مرحلة تمهيدية، وقال: "نجري مناقشات وسنعرض ما نتوصل إليه على هيئاتنا الداخلية للمصادقة عليه"، مشددًا على الحاجة إلى "وثيقة مكتوبة" و"عناصر ملموسة" من الحكومة.
وأضاف أن "الخطاب الذي ألقاه الرئيس ماكرون أشار إلى مسار سياسي جديد، وقد استُخدم فيه مصطلح 'الدولة المرتبطة'، وهذا ما يثير اهتمامنا".
وتحدثت مصادر مطلعة عن أن الحكومة لم تلتزم بنموذج مؤسساتي محدد، لكنها اقترحت فترة انتقالية تتراوح من 15 إلى 20 سنة يمكن خلالها للأطراف الكاليدونية بناء مشروع سياسي مشترك يُعرض لاحقًا على الاستفتاء.
كما أشارت نفس المصادر إلى احتمال صياغة نص مشترك خلال الأيام المقبلة، يتم عرضه لاحقًا على الهيئات الحزبية في كاليدونيا الجديدة لاعتماده.
وكان رئيس FLNKS، كريستيان تين، الذي أُفرج عنه من السجن قبل 3 أسابيع، قد حضر افتتاح القمة في الإليزيه يوم الأربعاء، لكنه لم يتمكن من المشاركة في جلساتها. وقال لاحقًا: "لا يمكننا إعادة بناء هذا البلد ما لم نؤسس لمرحلة هادئة"، داعيًا إلى التزامات مكتوبة للخروج من الأزمة.
وفي ما يخص الحكومة الفرنسية، نقل أحد المشاركين أن ماكرون أكد استعداده "للنظر في أي تغيير مؤسساتي جديد، بما في ذلك الدولة المرتبطة، ولكن فقط بعد فترة استقرار تمتد من 15 إلى 20 سنة".
وقد أثار هذا الطرح غضب الوفد الموالين لفرنسا، واعتبره البعض "عبارة محظورة". وأوضح مشارك آخر أن الرئيس ماكرون دافع عن فكرة "إعادة البناء والتطهير المؤسسي" قبل الدخول في مرحلة انتقال إلى "شكل مؤسساتي جديد قد يصل إلى الدولة المرتبطة".
ويُذكر أن مفهوم "الدولة المرتبطة" شبيه بما طرحه مانويل فالس في مايو الماضي في مشروع "سيادة بالشراكة مع فرنسا"، وهو المشروع الذي رفضه الموالون بشدة، لكن الاستقلاليين يعتبرونه الآن أساسًا للحوار.
زعيمة الموالين، سونيا باكس، أكدت أن الرئيس طرح عدة خيارات بينها "الاستمرار في الوضع القائم، والحكم الذاتي الموسع، والدولة المرتبطة"، لكنها جدّدت رفضها القاطع لهذا النموذج الأخير.
ويُنظر إلى فكرة "الدولة المرتبطة" في كاليدونيا الجديدة على أنها مرادف للاستقلال التدريجي، وتُثير حساسية كبرى لدى الرافضين للانفصال، رغم اعتمادها في بعض دول المحيط الهادئ، حيث تسمح بالسيادة مقابل إبقاء بعض الصلاحيات مثل الدفاع والدبلوماسية لدى الدولة الشريكة.
ويُذكر أن هذه القمة جاءت بعد فشل وساطة مانويل فالس في مايو الماضي، والتي رغم فشلها في التوصل إلى اتفاق، نجحت في إعادة الأطراف المختلفة إلى طاولة الحوار.
وتواصلت الاجتماعات مساء الخميس في منطقة بوجيفال (إقليم الإيفلين) لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية، ومن المقرر أن تستمر على الأقل حتى نهاية الأسبوع.