بينما يركز الإعلام على الجمود الدبلوماسي والفشل في تحقيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا، فإن قمة ألاسكا الأخيرة كشفت عن مشكلة أعمق من مجرد العجز الغربي أمام روسيا، إذ أظهرت وجود أزمة قيادية حقيقية في الولايات المتحدة وأوروبا، بحسب خبراء.
ويبدو أن غياب التخطيط الاستراتيجي والوضوح حول المخاطر المقبولة يجعل الغرب يبدو مشتتًا، تاركًا المجال لبوتين لإعادة رسم المعادلات على الأرض، بينما تتصارع العواصم الغربية مع نفسها قبل مواجهة العدو.
قادة الاتحاد الأوروبي وصلوا إلى مرحلة ارتباك متزايد حول دورهم في أوكرانيا. ورغم التصريحات حول استعدادهم للدفاع عن سيادة كييف، لم يظهر أي استعداد واضح لتحديد المخاطر المقبولة أو الأهداف الواقعية للتدخل العسكري.
هذه الفجوة بين الخطاب والواقع تكشف ضعف أوروبا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الكبرى، وترك أوروبا في موقف تبدو فيه غير قادرة على حماية مصالحها الحيوية دون الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة.
تعرّض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لانتقادات لاذعة لدعوته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الأراضي الأمريكية لأول مرة منذ عقد، مع سجادة حمراء ولافتة "ألاسكا 2025" ومؤتمر صحفي مشترك، رغم عدم حصوله على أي تنازلات مسبقة من الرئيس الروسي سوى تعهده بمواصلة العمليات العسكرية في أوكرانيا إذا لم تسر القمة وفقًا لمخططه.
في المؤتمر الصحفي، بدا ترامب وكأنه يروج لإنجازات وهمية: وصف اللقاء بالمثمر و"تم الاتفاق على العديد من النقاط"، لكنه اعترف بفشل التوصل إلى أي تقدم في وقف إطلاق النار، وهي النقطة الأهم في جدول الأعمال.
ترامب كرر فلسفته الشهيرة: "لن يكون هناك اتفاق حتى يكون هناك اتفاق"، لكنه رفع سقف التوقعات بحفاوته وبدعوة بوتين إلى محادثة خاصة، خطوة نادرة بين خصوم أو منافسين رئيسيين، لكنها أثارت انتقادات شديدة من الأطراف الغربية والعالمية.
المسار الترددي للغرب أعطى بوتين ميزة استراتيجية. من خلال الإيماءات الودية والخطابات المبهرة، استطاع الرئيس الروسي أن يظهر بأن روسيا هي القوة الأكثر وضوحًا وثباتًا في المعادلة، بينما يظهر الغرب مشتتًا ومترددًا. هذه الديناميكية تزيد من قدرة موسكو على اختبار التحالف الغربي وتجربة حدود التزامه تجاه أوكرانيا.
أبرزت القمة مشكلات عميقة تتعلق بالتنسيق الغربي منها، غياب رؤية مشتركة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول الأهداف الاستراتيجية في أوكرانيا، وضعف القدرة على تقديم حوافز أو تهديدات مقنعة لبوتين دون المخاطرة بصراع مباشر، وميل القادة الأوروبيين لتجنب القرارات الصعبة خوفًا من ردود فعل شعبوية أو سياسية داخلية.
بينما حاول ترامب تقديم نفسه كـ"صانع سلام" مستعد لاتخاذ خطوات جريئة، فإن سياساته في القمة تشير إلى ارتباك داخلي، من بينها اقتراح "تبادل الأراضي" مع روسيا دون دعوة زيلينسكي، ما يثير التساؤل حول الالتزام بحقوق أوكرانيا، وتهديدات بالعقوبات الثانوية على الدول التي تشتري النفط والغاز الروسيين، لكنها غير مدعومة بآليات واضحة للتنفيذ.
تغيّر موقف ترامب المتكرر بين الهجوم على بوتين، واتهام زيلينسكي بعدوان روسيا، ثم محاولة عرض نفسه كوسيط. كما أن هذه التناقضات تؤكد أن الولايات المتحدة تواجه أزمة قيادة واضحة، ليس فقط على المستوى السياسي، بل في صياغة استراتيجية واضحة مع حلفائها الأوروبيين.
وفي ظل استمرار الغموض، تواجه أوروبا والولايات المتحدة خطر ترك أوراق القوة في يد بوتين، بينما يتعين عليهما في الوقت نفسه معالجة مشاكل داخلية تتعلق بالقيادة والسياسات الدفاعية. أي حل دبلوماسي مستقبلي سيحتاج إلى: تحديد واضح للأهداف الغربية في أوكرانيا وما هو مقبول وغير مقبول، واتفاق مسبق مع كييف لضمان عدم تجاوز مصالحها الوطنية في أي تسوية، وتنسيق أوروبي-أمريكي متين لتقديم إشارات قوة موحدة لبوتين.
في النهاية، فإن قمة ألاسكا لم تكن مجرد فشل دبلوماسي، بل كانت مرآة للارتباك الغربي نفسه. بينما يستعرض بوتين قوته بوضوح، يبقى الغرب محتارًا بين الكلام الجريء والقدرة المحدودة على التنفيذ.
هذه الأزمة في القيادة الغربية قد تصبح أهم من أي تحركات روسية، لأنها تحدد قدرة الغرب على حماية مصالحه في أوكرانيا وما بعدها، وربما تشكل معالم السياسة الدولية لعقود قادمة.