لم يحتج فريق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجديد، سوى أسبوعين من الزمن في البيت الأبيض للإقدام على تنفيذ ذلك الالتزام، الذي أعلنه ترامب خلال المرحلة الانتقالية.
وكان ترامب قد أعلن التزامه بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع القادمة من الجيران الأقربين، كندا والمكسيك إضافة إلى الصين.
الأزمة التجارية مع الصين ليست جديدة على الرئيس ترامب، وذلك بالنظر إلى ما كان قد حدث بين بكين وواشنطن من نزاع تجاري خلال الولاية الأولى لترامب في البيت الأبيض؛ الأمر الذي دفع كثيرين في تلك المرحلة إلى وصف العلاقة بين البلدين بـ"الحرب التجارية"، لكن الذي حدث هذه المرة مع الجارتين يبدو لافتًا ومعقدًا في تفاصيله، وربما أيضًا في تبعاته على جميع الأطراف.
يعتقد ترامب وفريقه المعاون أن العلاقة التجارية مع الدول الثلاث لطالما اتسمت بالاختلال، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة كانت دائمًا الطرف الخاسر فيها، وأن هؤلاء الشركاء التجاريين لا يعاملون بلاده بالطريقة اللائقة تجاريًا.
هذه الرؤية التي يقدمها ترامب كعنوان بارز لولايته الثانية، لا تنطبق فقط على بلدين جارين، ولكن ينتظر أن تشمل لاحقًا الحلفاء التقليديين والتاريخيين للولايات المتحدة في الاتحاد الأوروبي.
ويشدد ترامب على أن العهد الذي كانت فيه العلاقات التجارية بين بلاده وشركائها يقوم على أساس أن الولايات المتحدة هي الطرف الذي عادة ما يتحمل التكاليف الأعلى لم يعد ممكنًا الاستمرار فيه، أو القبول به.
ويقضي قرار ترامب الجديد بإقرار زيادة في الرسوم الجمركية على كل من كندا والمكسيك بنسبة 25%، وعلى الصين بنسبة 10%.
ويقول ترامب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" إن بلاده ليست بحاجة إلى استيراد سلع من الجارة كندا، حيث إنها تملك أكبر احتياطي للوقود، ولديها من الخشب ما يكفيها، لا بل ما يزيد عن حاجتها، وهي لا تحتاج للسيارات المصنعة في كندا بل إنها قادرة على تأمين حاجتها من السيارات بنفسها.
في مقابل ذلك، يعترف ترامب بأن هناك بعض الآلام الاقتصادية التي سوف تصيب الأمريكيين، كواحدة من تبعات هذه القرارات، لكنه يشدد على أن هذا الأمر سيكون مؤقتًا، إلا أن التضحية لأجل أن تكون أمريكا عظيمة مرة أخرى واجبة، وفق قوله.
الأمر كذلك ينطبق على الجارة الجنوبية، المكسيك، لكن ما يراه ترامب أن الشريكين الجغرافيين والتجاريين لا يقومان بالعمل الكافي في سبيل الحد من الهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة، وكذلك محاربة تهريب مواد الفنتانيل التي باتت تشكل خطرًا حقيقيًا على صحة الأمريكيين، حيث تسجل السبب الأول لحالات الوفاة بين الأمريكيين في الأعوام الأخيرة بسبب انتشار استهلاك هذه المادة المصنعة.
وتقول أحدث التقارير الحكومية إن ما يزيد عن 100 ألف من الأمريكيين يموتون سنويًا بسبب الاستهلاك المفرط لأقراص الفنتانيل، خاصة في مدن الولايات الحدودية، كما أن استهلاك هذه المادة بات يشكل السبب الأول لوفاة الأمريكيين بين عمر الـ19 والـ49.
ولا يتردد مسؤولو الصحة العامة في القول إن الأمر بات يشبه حالة الوباء المنتشر في المدن الأمريكية، وإن تدخلًا حاسمًا بات واجبًا من قبل الحكومة الفيدرالية.
وكانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن قد سعت من خلال المفاوضات وإطلاق تحالف دولي إلى محاربة انتشار هذه المادة المخدرة المصنعة، وجعل الصين شريكًا أساسيًا في هذا التحالف، سواء من خلال المفاوضات الثنائية المباشرة، أو من خلال العمل المشترك مع مجموعة الجيران القريبين والبعيدين، باعتبار أن الصين هي مكان التصنيع الأول لهذه المادة، وباعتبار الجيران يشكلون مناطق العبور لهذه المخدرات قبل وصولها إلى الداخل الأمريكي.
ويقدم فريق ترامب مقاربة مختلفة في معالجة هذه الظاهرة، وذلك من خلال الربط الدائم بين قوافل المهاجرين غير النظاميين العابرين للحدود الجنوبية، وعصابات التجارة في هذه المخدرات، لذلك تقدم معالجة أمنية شاملة تبدأ من خلال مراجعة العلاقات التجارية مع الجيران والصين، ومن خلال إعلان حالة الطوارئ الوطنية على الحدود الجنوبية، إلى جانب إعلان العصابات المتاجرة في المخدرات عبر الحدود "منظمات إرهابية".
قرارات ترامب لم تكن لتمر في صمت في أوتاوا ونيو مكسيكو، حيث أعلنتا فرض رسوم مماثلة على السلع الأمريكية، وحذرتا من عواقب هذه القرارات على العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، ومن مخاطر تضرر الأمريكيين من هذه الإجراءات، وسط إصرارهما على أنها أخذت بصفة أحادية.
وعند الحديث عن مسألة الرسوم الإضافية، عاد ترامب ليطرق مجددًا فكرته المرتبطة بانضمام الجارة كندا للولايات المتحدة، لتكون الولاية الأمريكية الـ51، مضيفًا هذه المرة أنه لولا المساعدات الأمريكية الهائلة المقدمة لها، لكان الوضع هناك مأساوي.
ومن الواضح جدًا أن التعريفات الجمركية التي يعمل ترامب على فرضها على شركاء بلاده، لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة وتاريخ العلاقات والشراكات مع الدول المعنية بها، لذلك بات الحديث في أروقة البيت الأبيض علنيًا بأن الاتحاد الأوروبي سيكون المستهدف القادم بقرارات ترامب.
وأكد ترامب، شخصيًا، أنه في طريقه إلى اتخاذ تدابير مماثلة تخص العلاقة التجارية بين حليفي ضفتي الأطلسي، مجددًا إشارته السابقة عندما قال إن الاتحاد الأوروبي عامل الولايات المتحدة بشكل سيء.
هذا التصريح ليس جديدًا من ترامب، بل سبق أن أعلنه في عدة مناسبات، لكن من دون تحديد موعد لإطلاق قرار فرض رسوم إضافية على السلع القادمة من دول الاتحاد، ضمن تبادل تجاري بين ضفتي الأطلسي تتجاوز قيمته تريليون دولار.
وفيما يشبه اللوم، أشار ترامب إلى أن الحلفاء الأوروبيين لا يشترون السيارات الأمريكية، ويكسبون أكثر في علاقاتهم التجارية على حساب الولايات المتحدة، لكنه لم يوضح إن كانت القرارات التي يتجه لاتخاذها سوف تشمل دول الاتحاد كمجموعة واحدة، أم أنها سوف تفرض بصورة منفصلة على كل دولة على حدة.
وفي خطوة تكاد تكون استباقية، يأسف الاتحاد الأوروبي للعقوبات التي فرضت على كندا والمكسيك، مؤكدًا أنه سيرد بحزم في حال لجأ ترامب إلى فرض رسوم مماثلة على دول الاتحاد.
وقال ترامب للصحفيين في نهاية الأسبوع، إنه لايريد أن يقدم إجابة سياسية عندما يقول إن هناك رسوما إضافية ستُفرض على دول الاتحاد الأوروبي، مجددًا مطالبته دول الاتحاد بشراء المزيد من النفط والطاقة من الولايات المتحدة .
وإذا كان موقف الإدارة الأمريكية الجديدة لم يظهر حتى الآن كيفية التعامل مع دول الاتحاد بصفة جماعية أو منفردة، فالأمر كذلك يظهر في موقف الدول الأعضاء في الاتحاد، التي تحسب حسابات متناقضة تراعي فيها مصالحها كدول مستقلة، بدلًا من مصالح الكتلة الواحدة في الاتحاد.
وكانت الولايات المتحدة قد استوردت العام الماضي ما قيمته 576 مليار دولار، بما يعادل أكثر من 20% من مجموع صادراتها إلى الخارج، وهو ما يجعل الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري لدول الاتحاد.
ويعتقد الأوروبيون هذه المرة أنهم أفضل استعدادًا لمواجهة سياسات اقتصادية شبيهة بتلك التي كانت خلال رئاسة ترامب الأولى، لذلك يعملون حاليًا على تشكيل موقف موحد استباقي من قرارات ترامب المرتقبة.
ويقول خبراء في واشنطن إن الوضع الاقتصادي في باريس وبرلين، باعتبارهما القطبين الاقتصاديين الأكبر في القارة، لا يحتمل في الوقت الحاضر صدامًا قويًا مع الشريك الأمريكي، لذلك يأخذ مسوولو البلدين ما يصدر عن ترامب بالجدية الكاملة.
وفي محاولة لتجنب الصدام العلني، وضع المسؤولون الأوروبيون خطة لمضاعفة حجم استيراد الغاز المسال الأمريكي، استعدادًا لجعل هذا الخيار كورقة تفاوضية في حال احتد الصدام التجاري بين الحليفين التقليديين بين ضفتي الأطلسي.
في المقابل، هناك حسابات تخص الدول منفردة، عندما تعلن من خلال بياناتها الحكومية أنها مستعدة للتعاون مع الإدارة الجديدة، وعن تطلعها بتعزيز الشراكة الاقتصادية القائمة في ظل الولاية الثانية للرئيس ترامب.
وسيكون الطريق التفاوضي بين واشنطن وشركائها التقليديين معقدًا وطويلًا، في حال نفذ ترامب تهديده المرتبط بالرسوم الجمركية على الشركاء الأوروبيين، إلى حين التوصل لصيغة اتفاق بين الجانبين يضمن الربح للطرفين، في علاقة تجارية كثيرة التفاصيل بأرقام فلكية سنويًا.