logo
العالم

أزمات تهز نيجيريا.. التمرد والعصابات يدفعان "عملاق إفريقيا" إلى إعلان الطوارئ

رئيس نيجيريا بولا أحمد تينيبوالمصدر: (أ ف ب)- أرشيفية

تقف نيجيريا، خزّان إفريقيا من البترول والذهب، على شفا سيناريو الدَّولة الفاشلة، بعد أن باتت أقاليمها الأربعة مجالات خصبة للجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة والاختطاف والحروب القبلية وحتّى الدعوات الانفصالية، فيما تعجز حكومة الرئيس بولا أحمد تينيبو عن إنقاذ عملاق القارة السوداء من الهوة السحيقة التي تردّى فيها. 

وتعيش نيجيريا منذ أسابيع على وقع عمليّات اختطاف واسعة استهدفت الأطفال من مدارسهم والمصلين المسلمين والمسيحيين من دور عبادتهم، والمدنيين العزل من الطرق العامة، ورغم نجاح الحكومة في استرداد العشرات منهم، فإنّ الكثيرين لا يزالون قيد الاحتجاز على يد عصابات إجرامية. 

استقالة وزير الدفاع وإعلان حالة الطوارئ

وأدت موجة الفوضى التي تضرب البلاد، إلى استقالة وزير الدفاع الحاج محمد بدارو أبو بكر من منصبه، وإعلان أبوجا حالة الطوارئ الوطنية الشاملة فى الشهر الفارط، للحيلولة دون استشراء موجة الاختطاف. 

وأمر الرئيس تينوبو بتجنيد الشرطة بـ20 ألف ضابط إضافي ليبلغ عديدها 50 ألفًا، مشيرًا إلى تلقي المخابرات النيجيرية تفويضًا أمنيًّا لنشر جميع حراس الغابات المدربين مسبقًا على الفور للقضاء على الإرهابيين وقطاع الطرق المختبئين في الغابات. 

وشدد على ضرورة أن تطلب المساجد والكنائس الحماية بشكل منهجي من الشرطة وقوات الأمن عند التجمع للصلاة، خاصة في المناطق المعرضة للخطر. 

كما أعاد تكليف ضباط الشرطة المسؤولين عن حماية الشخصيات البارزة بمهام شُرطية أساسية، بعدما كانت ربع القوة تحمي السياسيين وعائلاتهم.

ورغم كل هذه الإجراءات، فإنّ المخاطر الأمنية لا تزال تحيق بالمؤسسة الأمنية والعسكرية الرسمية، حيث قُتل خمسة جنود نيجيريين في هجوم انتحاري استهدف موقعًا عسكريًّا شمال شرقي البلاد، على الحدود مع دولة الكاميرون. 

ورغم نفي الجيش لهذه الحصيلة واكتفائه بذكر عدد من الإصابات، فإنّ مصادر محلية وطبية متقاطعة أكدّت إحصاء خمس جثث غارقة في الدماء، جراء استهداف عنصر انتحاري لموقع عسكري في "فيرغي" وهي بلدة قريبة من بولكا، المدينة المعزولة في ولاية بورنو أقصى شمال شرقي البلاد. 

أخبار ذات علاقة

ماكرون والرئيس النيجيري بولا تينوبو

بوابة النفوذ الأخيرة.. فرنسا تعيد بناء حضورها الأمني في نيجيريا

دولة شبه فاشلة 

وعطفًا على كل ما سبق ذكره، تؤكد مصادر سياسية محلية أنّ نيجيريا باتت شبه دولة فاشلة، حيث تعرف البلاد تحالفًا نادرًا ما بين الجماعات المتطرفة والحركات الانفصالية والعصابات الإجرامية، يضاف إليه التردّي في مؤشرات الحوكمة والانحدار في مستويات التنمية المحلية. 

حيث تعاني نيجيريا تشظيا جغرافيا وسياسيا واقتصاديا خطيرا، جعل أقاليمها عبارة عن "كنتونات متمردة" على سلطة القانون وعلى ما تبقى من سطوة الدولة. 

إذ تعيش منطقة الشمال الشرقي من البلاد، على وقع توسع كبير للجماعات المتطرفة ممثلة في "بوكو حرام"، وجماعة ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم "داعش"، ولئن عرف الفصيلان المتناحران فصلًا من الاقتتال البينيّ غير أنّه يبدو أنّهما باتا حاليا متوافقين على اقتسام الجغرافيا وتقاسم الثروات في بلد الذهب الأسود والأصفر على حدّ السواء.

حيث تؤكد مصادر ميدانية، أنّ التنظيمات المتطرفة تسيطر على معابر حدودية وحواجز برية عديدة، وتستولي على مناطق جغرافية واسعة ثرية بالنفط، وهو ما مكنها من عوائد مالية محترمة متأتية من الضرائب المشطة التي تفرضها على الأهالي ومن الإتاوات التي تسلطها على العربات وعلى المزارعين، إضافة إلى عوائد أخرى من بيع النفط والسلاح في السوق السوداء. 

منطقة الحزام الأوسط، ليست أقل تدهورًا من نظريتها في الشمال الشرقي، حيث تعرف حربا مستعرة بين المزارعين والرعاة، على مصادر المياه، ممثلة في الآبار والوديان، الشحيحة في تلك المنطقة. 

وسعت الدولة إلى فض الاشتباك أكثر من مرة ما بين المزارعين والرعاة، إلا أنّ الصراع أخذ طابعا عرقيا إثنيا، متجاوزا الطابع الطبقي بين المزارعين والرعاة؛ ما عقّد من مأمورية السلطة ومن قدرتها على حلّه أو حلحلته في أسوأ الحالات. 

أمّا منطقة الجنوب الشرقي، فقد باتت مجالا انفصاليا خطيرا يتهدد وحدة البلاد، مع ظهور حركة شعب "بيافرا" الأصليين IPOB وجناحها المسلح ESN، ما أدى إلى خلط الأوراق وإدخال أبوجا في متاهة ترتيب الأولويات، ولا سيما أنّ "بيافرا" باتت تضع يدها بشكل شبه كامل على مناطق واسعة من الجنوب الشرقي، وهو الإقليم الثري نفطيا وطاقيا. 

فساد مستشر في كافة مفاصل الدولة 

الأزمة النيجيرية، لم تقف عند تخوم الأقاليم المتمردة، بل زادت حدّتها ووطأتها، مع الفساد المستشري في كافة مفاصل الدولة، ومع تقويض وانخرام الأمن الغذائي بسبب سيطرة المسلحين والمتطرفين على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية ما حال دون استفادتها من العائدات الزراعية، وأيضا بسبب الفيضانات السنوية الجارفة على وقع الأمطار الموسمية الغزيرة وتدفق المياه من نهر النيجر وروافده، والإطلاق المتكرر والمفاجئ للمياه من سدّ "لاج" في الكاميرون، وهي كلها اسباب أفضت إلى إغراق قرى بأكملها في ولايات "دلتا" و"أنامبرا" و"بينو" و"كوجي". 

ومع الفساد والإفساد، يظهر عجز النخبة السياسية النيجيرية في تسوية الملفات الكبرى، إذ تؤكّد الدراسات الامنية أنّ كافة الحكومات فشلت في إدارة الفيدرالية وفي ضبط التنوع الثقافي والعرقي واللغوي في نيجيريا، بشكل صارت الدعوات الانفصالية تلقى آذانا صاغية لدى شرائح واسعة من الشعب النيجيري. 

وعلى ضوء كل ما سبق، بات الاختطاف، الخيط الناظم، لكافة الأقاليم، والعنوان الأبرز لفشل الحُكومات في إدارة دواليب الدولة. 

انتخابات رئاسية على الأبواب 

سياسيًّا، باتت نبرة الانتقادات للرئيس تينوبو تتجاوز حدود المعارضة السياسية إلى دعوته إلى عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة والمقررة في 2027. 

وتبني هذه الدعوات شرعيتها على الفشل الذريع للرئيس تينوبو في تسوية الملف الأمني في البلاد، وهو الملف الذي استغله تينوبو ذاته ضدّ الرّئيس الراحل السابق محمد بخاري، وتسلق من خلاله للوصول لسدة السلطة في أبوجا. 

واشارت مصادر إعلامية إفريقية إلى أنّ ملف الأمن الذي استخدمه تينوبر سلاحا ضدّ أسلافه، عاد ليشكل نقطة ضعفه المركزيّ، ناقلة عنه قوله في الثاني والعشرين من نوفمبر / تشرين الثاني، إنّ أزمة الأمن أكثر ما يقلقه.

واضافت أنّ الحكومة الفيدرالية أغلقت عشرات المدارس خشية هجمات وشيكة، وأرجأت مهرجان الفنون والثقافة الوطني، واعتمدت على ميليشيات أهلية للدفاع عن بعض المناطق ولصد الهجمات؛ ما يبرز هشاشة الدولة أمام تمدد الجماعات المسلحة في البلاد.  

ويُنظر للانتخابات الرئاسية شعبيا بنظرة تشاؤم عامّة، حيث تتوافق الآراء وتتطابق على أنّ المشاكل التي تتعرض لها نيجيريا تقتضي عقدا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا واسعا، يعيد ترتيب الأولويات وتنظيم السلطات وتوزيع الثروات، ويدعم الوحدة واللحمة الوطنية ضدّ الجماعات المتطرفة والمجموعات الانفصالية. 

خطوات إصلاحية.. ولكن 

وتستمد هذه النظرة المتشائمة في الانتخابات، منطقها وشرعيتها السياسية، من خلال تأكيد محدودية الخطوات الإصلاحية التي اتخذها الرئيس تينوبر خلال عهدته الرئاسية الأولى، حيث رفع الدعم عن البترول وتوحيد سعر الصرف وإطلاق الحوار الشامل بين المركز والأطراف وإفراد جزء كبير من الموازنة لتسليح الجيش، إلا أنّها كلها اصطدمت بحاجز التوترات الأمنية والاضطرابات العسكرية، ولم تنجح في تحقيق الأهداف المرسومة. 

وتتطابق هذه الرؤية مع مؤشرات الدولة الفاشلة التي حددتها بضع مؤسسات دولية على غرار مؤسسة صندوق السلام، ومؤشر الدول الهشة.

أخبار ذات علاقة

أفراد من الشرطة النيجيرية

12 قتيلا و3 مختطفين إثر هجوم مسلح في نيجيريا

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC