استبعد خبراء، أن يفتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جبهتين للحرب بشكل متزامن في فنزويلا ونيجيريا، الواقعتين على ضفتي الأطلسي الإفريقية واللاتينية.
وأوضحوا أن "ترامب يحاول، من خلال حالات الاستعداد للتدخل العسكري بين كراكاس وأبوجا، توجيه رسائل داخلية إلى مؤسسات الدولة العميقة في بلاده، للفت انتباهها إلى أهمية هذه التحولات الدولية، في ظل ما تحققه الصين استراتيجيًا بين أمريكا اللاتينية وإفريقيا، ولإقناع المشرّع الأمريكي بأن الفصل بين الأمن الإفريقي والأمريكي أمر غير منطقي".
وأشار الخبراء إلى أن "إفريقيا ترتبط بالأمن القومي الأمريكي ارتباطًا لا يقل أهمية عن القارة اللاتينية".
وكان ترامب قال إن الولايات المتحدة قد ترسل قوات إلى نيجيريا، مبررًا ذلك بما وصفه بـ"قتل أعداد قياسية من المسيحيين"، كما أكد وجود خطط شديدة السرية بشأن تعامل بلاده مع فنزويلا.
وردّ ترامب على سؤال من الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية بشأن إمكانية نشر قوات برية أو تنفيذ ضربات جوية في نيجيريا، قائلاً: "قد نرسل، هناك كثير من الاحتمالات. إنهم يقتلون أعدادًا قياسية من المسيحيين في نيجيريا، ولن أسمح بحدوث ذلك".
وقال أستاذ العلاقات الدولية خالد شيات، إن "خلفية هذا التوجه الأمريكي الجديد تتضمن نقاط التقاء واختلاف بين الحالتين الفنزويلية والنيجيرية، وأن القاسم المشترك بين البلدين هو امتلاكهما كميات ضخمة من النفط واحتياطات هائلة من البترول، في وقت يوجّه فيه ترامب اهتمامه نحو المكاسب الاقتصادية والتجارية".
وأضاف شيات لـ"إرم نيوز"، أن "خلفية تهديد فنزويلا تختلف عن خلفية تهديد نيجيريا، وأن ترامب يسعى في كراكاس إلى إحياء مشروع القواعد الذي وُضع مع بداية القرن التاسع عشر مع إعلان مبدأ مونرو، الذي رسّخ أن القارة الأمريكية مجال استراتيجي للولايات المتحدة، بينما يبني تهديده لنيجيريا على ذريعة حماية المسيحيين هناك، في محاولة لمغازلة اليمين الأمريكي الذي يدعمه في الانتخابات، مستندًا إلى السلطة اليمينية التي تمنحه قوة سياسية ودعمًا اجتماعيًا كبيرًا".
وذكر أن "هناك اختلافًا واضحًا بين المشهدين، لكن احتمالات تحرك ترامب متعددة، وربما يرغب أيضًا في رؤية نيجيريا منقسمة بين شمالها المسلم وجنوبها المسيحي، لأن هذا الانقسام قد يجعل خطابه أكثر تأثيرًا لدى المسيحيين، مقارنةً بعلاقة قائمة مع نيجيريا موحدة. وقد صرّح الرئيس النيجيري من جانبه بأنه لا وجود لأي اضطهاد ديني في البلاد، وأن ما يحدث هو صراع ذو طبيعة سياسية وليس دينية".
ورأى شيات، أن "الخلفيتين مختلفتان، لكن كليهما قد يحققان مكاسب اقتصادية وتجارية مرتبطة بالنفط بالنسبة للرئيس ترامب، سواء في نيجيريا أو فنزويلا، إلى جانب جوانب أخرى تتصل بالمشهد الدولي العام".
من جهته، اعتبر الخبير في الشؤون الإفريقية علي هندي، أن "الدول المشاطئة للمحيط الأطلسي أصبحت تشكّل محور اهتمام متزايد لدى الرئيس الأمريكي".
وأوضح هندي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "السنوات الأخيرة شهدت تحولًا استراتيجيًا مهمًا بدأ مع عزم الصين إنشاء قاعدة عسكرية في غينيا الاستوائية الواقعة على الساحل الغربي الجنوبي للقارة الإفريقية، الأمر الذي استنفر القيادة الأمريكية التي رأت في الخطوة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ما أدى إلى تغيّر في الأداء والاهتمام الأمريكي تجاه القارة السمراء".
وأضاف أن "واشنطن أولت اهتمامًا خاصًا بالدول الواقعة في خليج غينيا، مثل نيجيريا وتوغو المطلتين على المحيط الأطلسي، وقدمت مساعدات كبيرة مع التفكير في إقامة شراكات جديدة، لافتًا إلى أن اهتمام الولايات المتحدة نابع من إدراكها أن حيّز أمنها الاستراتيجي بدأ يتغيّر".
ورأى أن "الولايات المتحدة كانت تركز سابقًا على مواجهة بكين في بحر الصين والفلبين والهند، لكنها باتت ترى الآن أن الصين تتحرك ببطء وفق استراتيجية متماسكة نحو دول العالم، في وقت أنهت فيه بالفعل شراكات في الساحل الشرقي لإفريقيا وبدأت تتجه نحو الساحل الغربي، ما يوسّع نطاق نفوذها في القارة".
وأشار هندي، إلى أن "التوتر القائم في القارة اللاتينية لا يمكن فصله عن التطورات في إفريقيا، في ظل تحركات الصين الدبلوماسية لإقامة شراكات استراتيجية مع عدد كبير من دول أمريكا الجنوبية، الأمر الذي يجعل ما يجري في نيجيريا مرتبطًا بما يحدث على الجانب الآخر من المحيط".
وبيّن أن "إقامة الصين لأي منظومات صاروخية في تلك المنطقة سيجعل السواحل الشرقية للولايات المتحدة في مرماها، ما يعني أن الفصل بين الأمنين الإفريقي والأمريكي لم يعد ممكنًا كما في السابق، بل أصبح الأمن الاستراتيجي مشتركًا بين هذه المناطق الساحلية".
وخلص هندي، إلى أن "الغرض من هذه التحركات الأمريكية ليس الدخول في حرب مباشرة، بل محاولة من ترامب لإرسال رسائل داخلية إلى مؤسسات الدولة العميقة في بلاده للفت انتباهها إلى أهمية التحولات في العالم".
وأردف قائلًا إن "إدارة ترامب باتت ترى أنه ينبغي على المشرّع الأمريكي إدراك أهمية أن الفصل بين الأمن الأفريقي والأمريكي لم يعد منطقيًا، لأن الأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بكل من القارتين اللاتينية والإفريقية".