يرى خبراء أن موسكو تكثف خروقاتها الجوية لاختبار صلابة حلف شمال الأطلسي "الناتو" وإرباك دول البلطيق، وفي الوقت نفسه تحاول فرض معادلة ردع مدعومة بتحالفاتها مع الصين وكوريا الشمالية والهند.
ورجحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن هذه التحركات، وإن بدت استعراض قوة، تحمل في طياتها احتمال اندلاع مواجهة محدودة، متوقعين استمرار الخروقات الروسية مع الاكتفاء الأوروبي بعقوبات جديدة وذلك دون تأثير فعلي في مسار الحرب بأوكرانيا.
ولفت الخبراء إلى أن "الناتو" يعاني من ارتباك داخلي في الرد، وسط تردد أمريكي واضح رغم تصريحات الرئيس دونالد ترامب الرافضة لخوض مواجهة نووية.
وقال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كارزان حميد، "إننا نشهد تصعيدا عسكريا خلف جبهات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا تقوده موسكو من جهة، والاتحاد الأوروبي ضمن إطار "الناتو" من جهة أخرى خارج حدود أوكرانيا، بهدف اختبار مدى صمود الجبهتين أمام أي تطور جديد محتمل".
وأضاف في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن الكرملين يسعى في الجبهة الشرقية إلى توجيه رسائل عسكرية قوية إلى عدة دول حدودية مثل بولندا، إستونيا، رومانيا، لاتفيا، وحتى بروكسل، مفادها بأن روسيا جاهزة للتصدي لأي تحرك أوروبي يهدف إلى تعزيز نفوذه قرب الحدود الروسية أو داخل أوكرانيا.
وأشار الخبير إلى أنه "في المقابل، تعمل بروكسل على الرد برسائل أقوى، تؤكد من خلالها لموسكو استعدادها الكامل لردع أي هجوم مباغت قد تشنه ضد تلك الدول المحاذية".
وبيّن أن تلك التحركات لا تزال دون مستوى التهديد المباشر، ويمكن اعتبارها رسائل استعراض قوة أكثر من كونها اختبارات فعلية للقدرات العسكرية الروسية.
وأكد أن لدى "الناتو" أيضًا إمكانيات هائلة قادرة على إسقاط الطائرات العسكرية الروسية، وهو ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة تحترق فيها المنطقة بأسرها.
ونوه إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدير أوراقه العسكرية بحذر ودهاء، على عكس نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مؤكداً أن الرئيس بوتين خطط لما يحدث منذ عام 2014، متسائلا "هل من المعقول أن يمتلك هذا القدر من التهور؟".
من جانبه، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية بسام البني، أن روسيا نفت تحليق طائراتها في الأجواء الإستونية البولندية والرومانية، لكنها أكدت أن الطائرات كانت تحلق فوق المياه الإقليمية، وليس في الأجواء المحظورة.
وقال لـ"إرم نيوز"، إنه في حال صدقت الادعاءات الإستونية بشأن اختراق الأجواء، فإن هذا يعد بمثابة اختبار روسي لحلف "الناتو"، بهدف قياس مدى جاهزيته لتفعيل المادتين الرابعة والخامسة من ميثاق الحلف.
وأضاف المحلل البني أنه "حتى الآن، يُظهر الناتو ضعفاً داخلياً في صفوفه، وعدم وضوح في آلية الرد، خاصة في ظل التكرار المستمر لما يُقال إنه خروقات روسية للأجواء البولندية والإستونية، وإذا صحت هذه الادعاءات، فنحن أمام احتمال تصعيد عسكري خطير بين روسيا والناتو".
وبيّن أن الولايات المتحدة لا ترغب في صدام مباشر مع روسيا، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر بوضوح عن ذلك حين قال إن "شبح الحرب النووية قد ولى"، في إشارة إلى عدم استعداد واشنطن لخوض مواجهة بهذا الحجم.
ولم يستبعد المحلل البني اندلاع حرب محدودة بين روسيا ودول البلطيق، ولكن من طرف واحد فقط، دون مشاركة "الناتو"، لافتًا إلى أن الحلف لا يملك القدرة الفعلية على محاربة روسيا، لأن ذلك سيقود إلى حرب شاملة قد تستخدم فيها موسكو أسلحتها الاستراتيجية بعيدة المدى.