logo
العالم

بوتين يُحرج ترامب من الشرق.. اختبار بولندا يكشف مأزق القيادة الأمريكية

ترامب وبوتين المصدر: (أ ف ب)

عندما سقط حطام الطائرات المسيّرة الروسية على الأراضي البولندية، واخترق الأجواء الرومانية، لم يكن السؤال المطروح حول كفاءة دفاعات الناتو، بل حول موقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في معادلة الردع.

موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكن عسكريًا فقط بتوجيه الطائرات نحو وارسو، بل سياسيًا أيضًا، بتوجيه رسائل غير مباشرة إلى البيت الأبيض، واضعًا ترامب أمام لحظة حرجة "إما أن يظهر كزعيم قوي يلتزم بحماية حلفائه، أو يبدو كقائد متردد يبحث عن مخارج لفظية لتجنب اختبار عسكري مباشر".

وفقًا لمراقبين، تحوّل خرق الأجواء من حادث تقني إلى أزمة استراتيجية، كشفت هشاشة التوازن الذي يحاول ترامب الحفاظ عليه بين خطاب القوة، ورفضه التورط في مواجهة مفتوحة مع موسكو.

وجاء ردّ فعل ترامب ليعكس هذا الارتباك؛ فبعد تعليقه المقتضب: "ها نحن ذا!"، عاد ليصف الحادث بأنه "قد يكون خطأ"، في محاولة واضحة لخفض مستوى التوتر.

سيناريوهات محتملة

تتعدد السيناريوهات المتوقعة للأزمة، أولها التصعيد المحدود، عبر استمرار الاختراقات الروسية وتعزيز دفاعات الناتو ضمن مبادرة "الحارس الشرقي"، وهو مسار يختبر صبر الأوروبيين أكثر من قدرات موسكو.

أما ثاني السيناريوهات، فيتعلق بـالتصعيد الاقتصادي، حيث يُلوّح ترامب بفرض عقوبات جديدة، تشمل روسيا، وربما الصين، في محاولة لنقل المعركة إلى ميدان الاقتصاد، الذي يفضّله.

أما السيناريو الثالث فيتمثل بـالتوتر الدبلوماسي، مع احتمال اتساع الفجوة بين البيت الأبيض والعواصم الأوروبية في كل مرة تُقابل فيها خطوات روسيا بتردد أمريكي أو محاولة للتقليل من حجم الخطر.

وبين هذه السيناريوهات، تبقى الحقيقة الأبرز أن بوتين نجح في إحراج ترامب داخل معادلة الناتو، محققًا اختراقًا سياسيًا لا يقل خطورة عن اختراقه الجوي.

جسّ نبض أوروبي

ويرى خبراء أن سقوط المسيّرات الروسية في الأجواء البولندية والرومانية، سواء أكان مقصودًا أم عرضيًا، حمل رسائل استراتيجية واضحة من موسكو، فبحسب محللين، كانت تلك بمنزلة "جسّ نبض" لحلف الناتو، واضعة الولايات المتحدة وحلفاءها أمام اختبار حقيقي لقدرتهم على التصعيد أو رغبتهم في التراجع.

وأكد الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن روسيا سعت عبر هذا التطور إلى مكاسب سياسية غير مباشرة، ملوّحة بقدرتها على الردع، ومؤكدة أن أي محاولات لزعزعة الاستقرار على حدودها ستُقابل بردّ مباشر، لا سيما في ظل الحشود العسكرية المتزايدة في منطقة البلطيق وعلى الحدود مع فنلندا.

وأوضحوا أن هناك تيارًا داخل أوروبا يدفع نحو التصعيد، ويضغط باتجاه تفعيل مواد ميثاق الناتو، من خلال تضخيم قضية المسيّرات والضغط على الولايات المتحدة لتتخذ مواقف أكثر حدة.

وفي المقابل، يتعامل ترامب بحذر مع الوضع، مدركًا أن التورط في حرب مفتوحة سيحرمه من لعب دور الوسيط المحتمل في أي مفاوضات سلام مستقبلية.

رسائل استراتيجية روسية

وقال آصف ملحم، مدير مركز GSM للأبحاث والدراسات في روسيا، إن اختراق الطائرات المسيّرة للأجواء البولندية والرومانية، سواء كان متعمدًا أم نتج عن خلل تقني، يحمل رسائل استراتيجية واضحة من موسكو.

وأشار في تصريحاته لـ"إرم نيوز" إلى أن تقارير غربية تؤكد أن أنظمة الدفاع الجوي والتشويش الإلكتروني قد تكون السبب في تغيير مسار تلك الطائرات باتجاه بولندا.

واعتبر أن ما حدث يُعد بمنزلة اختبار لحلف الناتو، في ظل قناعة موسكو بأن واشنطن لا ترغب في الدخول بمواجهة مباشرة، مضيفًا: "روسيا حققت من هذا التطور نصرًا سياسيًا غير مباشر، وأحرجت الجميع، وكأنها تقول للحلف: نحن جاهزون للحرب، وإن أردتموها، فإليكم الميدان".

وأوضح ملحم أن الهدف الروسي كان سياسيًا بالأساس، ويُعبّر عن تغيير في مسار الصراع، حيث يسعى الغرب لتحقيق نصر استراتيجي دون الاعتراف بنجاحات موسكو الميدانية في أوكرانيا.

وأشار إلى أن كييف غير قادرة على الحسم عسكريًا، وأن الأوروبيين يدركون هذه الحقيقة، متسائلًا: "إذا كنتم غير مستعدين للحرب، فلماذا تستخدمون أوكرانيا كأداة في النزاع؟".

وشدد ملحم على أن موسكو لم تعلن نيتها مواجهة الناتو منذ بداية عمليتها العسكرية، بل أكدت أن هدفها حماية سكان دونباس، مضيفًا أن اختراق الأجواء البولندية يبعث برسالة: "هل أنتم مستعدون لتفعيل المادة الخامسة من ميثاق الناتو؟".

اختبار للغرب وتحذير روسي

أكد ملحم أن هذه التطورات وضعت واشنطن والحلف في موقف حرج، وفتحت الباب أمام تساؤلات بشأن استعدادهم للتصعيد أو التراجع، محذرًا من أن أي محاولة لزعزعة الاستقرار على حدود روسيا — سواء في أوروبا الشرقية أم مع فنلندا والنرويج أم في القوقاز — ستُقابل برد مباشر من موسكو.

من جانبه، قال نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، إن هناك تيارًا أوروبيًا معاديًا لروسيا يدفع نحو التصعيد وتوريط واشنطن في صدام مباشر، رغم إدراكه أن أي مواجهة ستكون كارثية على الجميع.

قلق من تقارب بوتين وترامب

وأضاف بوش في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن دولًا كبرى مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا لا ترغب في عودة العلاقات بين واشنطن وموسكو إلى مسار أكثر دفئًا، خصوصًا في ظل وجود ترامب في البيت الأبيض واحتمال تنامي علاقاته مع بوتين.

وأشار إلى أن هذا التيار يسعى لإيجاد مبررات لتفعيل المادة الرابعة وربما الخامسة من ميثاق الناتو، رغم عدم وجود أدلة مؤكدة أن المسيّرات التي اخترقت الأجواء البولندية كانت روسية الصنع، ما يعزز فرضية وجود محاولات لتوتير الأجواء وإحراج الرئيس ترامب.

وأوضح بوش أن المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع بيلاروسيا قرب الحدود البولندية، مقابل الحشود الغربية في دول البلطيق وبولندا بدعم الناتو، كلها مؤشرات على بُعد التسوية واستمرار منطق الاستنزاف.

ترامب يحاول لعب دور الوسيط

وأكد أن ترامب يتعامل بحذر مع الأزمة، مشيرًا إلى أن الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا سيمنعه من لعب دور الوسيط في مفاوضات سلام مستقبلية.

وأضاف أن البيت الأبيض لم يحمّل موسكو مسؤولية مباشرة عن اختراق المسيّرات للأجواء البولندية، وهو ما جنّب ترامب إحراجًا مباشرًا، رغم استمرار التصعيد من الطرفين: فروسيا تقترب من السيطرة على دونباس وتوسع نفوذها في زابوريجيا، بينما يواصل الغرب دعم كييف عسكريًا وتحشيد القوات.

أخبار ذات علاقة

الملك تشارلز الثالث والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

ترامب يصنف عمدة لندن صادق خان ضمن قائمة "الأسوأ في العالم"

وختم بالتأكيد أن الصدام المباشر لا يزال مستبعدًا، لكنه لم يستبعد أن يسعى ترامب إلى عقد قمة ثلاثية تجمعه ببوتين وزيلينسكي في إطار محاولة لوقف إطلاق النار، رغم أن السلام الشامل لا يبدو قريبًا حتى الآن.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC