الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"

logo
العالم

هدوء ما قبل العاصفة.. قمة ترامب–شي تفتح فصلاً جديداً من "الحرب الصامتة"

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغالمصدر: رويترز

جاء اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ ليكسر أسابيع من التصعيد الاقتصادي والتوتر الدبلوماسي بين واشنطن وبكين، وليضع العالم أمام اختبارٍ جديد في واحدة من أكثر العلاقات تأثيراً في النظام الدولي.

وبينما احتفى الطرفان باتفاقٍ مؤقت شمل تخفيضاً جزئياً للرسوم الجمركية وتفاهماتٍ حول المعادن النادرة والتجارة الزراعية، بدت التساؤلات أوسع من النتائج، فهل سنكون أمام بداية تحوّلٍ في قواعد الاشتباك بين أكبر اقتصادين في العالم، أم أن القمة ليست سوى استراحةٍ قصيرة في مسار تنافسي طويل لا يعرف التهدئة إلا بقدر ما تخدمه الحاجة السياسية.

تهدئة محسوبة

مصدر دبلوماسي أمريكي مطّلع على تفاصيل القمة أفاد لـ"إرم نيوز" بأن اللقاء بين الرئيسين ترامب وشي جاء نتيجة مشاورات مكثفة سبقتها اتصالات غير معلنة على المستوى الفني، هدفت إلى الحدّ من التصعيد التجاري بين الجانبين، دون أن ترقى إلى مستوى اتفاق شامل يعيد ضبط العلاقة بين البلدين.

وأوضح المصدر، وهو من العاملين في إدارة العلاقات مع شرق آسيا في وزارة الخارجية الأمريكية، أن الجانب الأمريكي دخل القمة بأولويات واضحة، أبرزها الحصول على التزامات صينية بزيادة الواردات الزراعية من الولايات المتحدة، وتعليق القيود التي كانت بكين تعتزم فرضها على صادرات المعادن النادرة، إضافة إلى تخفيف تدريجي لبعض الرسوم الجمركية التي سبق فرضها خلال جولات التصعيد الأخيرة.

وأضاف أن الوفد الصيني عبّر عن استعداده للتعاون في هذه النقاط باعتبارها إجراءات مرحلية لا تمسّ البنية العامة لسياسات بكين التجارية، لكنه رفض التطرق إلى قضايا تُصنّفها الصين ضمن الملفات الداخلية، مثل طبيعة تدخل الدولة في الاقتصاد أو آليات دعم الشركات الوطنية العاملة في قطاع التكنولوجيا.

أخبار ذات علاقة

الرئيس ترامب يصافح الرئيس الصيني شين جين بينغ

ترامب وشي يتفقان على تعليق رسوم الموانئ المعرقلة للتجارة

وأشار المصدر إلى أن الجانب الأمريكي ركّز في المحادثات على إبقاء القيود المفروضة على عدد من الكيانات التكنولوجية الصينية، موضحاً أن هذه التدابير لا تخضع، حالياً، لأي تفاوض مباشر، لأنها تتصل بمعايير مرتبطة بالأمن القومي الأمريكي، وتحتاج إلى مقاربة مختلفة عن الإطار التجاري التقليدي.

وفيما يخص التعاون في ملف المعادن النادرة، قال المصدر إن ما تم التوصل إليه لا يتجاوز تفاهماً مؤقتاً يقوم على تأجيل الإجراءات الصينية الجديدة لعدة أشهر، دون وجود ضمانات تنفيذية مكتوبة، مضيفاً أن هذا الملف سيُعاد فتحه، لاحقاً، عبر قنوات فنية متخصصة بين الجانبين.

كما لفت إلى أن المسائل المرتبطة بالملفات الأمنية والإقليمية، مثل الوضع في بحر الصين الجنوبي أو السياسة الأمريكية تجاه تايوان، لم تُطرح خلال القمة، وتم استبعادها عن النقاشات الرسمية باتفاق مسبق، بهدف التركيز على الشق التجاري فقط.

وختم المصدر بالقول إن واشنطن لا تعتبر ما تم التوصل إليه اختراقاً استراتيجياً، بل خطوة تهدئة مرحلية هدفها تقليل التوتر وضبط الإشارات المرسلة إلى الأسواق الدولية، مؤكداً أن معظم القضايا الجوهرية بين البلدين ما زالت معلّقة، وأن التعامل معها سيتطلب مسارات تفاوض أعمق وأكثر تعقيداً في المستقبل.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

بعد قمة ترامب وشي.. الصين تعلق القيود على المعادن النادرة لمدة عام

تفاهم مرحلي

وأشارت مصادر دبلوماسية صينية إلى أن بكين نظرت إلى القمة باعتبارها فرصة لإعادة ضبط الإيقاع التفاوضي مع واشنطن، بعد فترة من الجمود والمواقف المتشددة التي أضرت بمصالح الطرفين، خاصة بمرونة حركة الاقتصاد العالمي.

وأوضحت المصادر لـ"إرم نيوز" بأن بكين لم تعتبر اللقاء مناسبة لإعادة التفاوض على المبادئ الأساسية التي تحكم نموذجها الاقتصادي، وإنما كفرصة لإيجاد نقاط التقاء واقعية تتيح تخفيف الضغوط المتبادلة، دون المساس بالسيادة الوطنية الاقتصادية أو الإطار المؤسسي العام لسياسات الدولة.

وأشارت إلى أن التفاهمات التي أُعلنت عقب القمة، وعلى رأسها تعليق الرسوم الجمركية وتوسيع الواردات الزراعية الصينية من الولايات المتحدة، عُدّت في بكين بمثابة خطوة بناءة لإعادة الثقة، لكنها لا تعبّر عن تغيير في الاتجاه العام، بل استجابة لمرحلة مؤقتة من الحاجة إلى التهدئة في سياق دولي معقّد، يشهد تراجعات اقتصادية في عدة مناطق.

وأضافت المصادر أن الصين وافقت على تأجيل تطبيق القيود الجديدة المتعلقة بصادرات المعادن النادرة، انطلاقاً من رغبتها في عدم تحميل هذه المواد أبعاداً إستراتيجية مفرطة، مؤكداً أن إدارة هذا القطاع ستبقى خاضعة للمراجعة الدورية وفقاً للاحتياجات الوطنية وللمناخ الجيوسياسي العام، من دون أن يعني ذلك منح الأفضلية لأي طرف خارجي.

وفيما يخص ملف التكنولوجيا، قالت المصادر إن بكين أبلغت واشنطن بوضوح أن القيود المفروضة على شركات صينية في هذا القطاع تُعدّ إجراءات غير منطقية وتفتقر إلى الأساس القانوني، وإن استمرارها يخلق مناخاً سلبياً يصعّب التقدم في المسارات الأخرى، لكنها أوضحت في الوقت ذاته أن الصين لا ترى فائدة من تسييس الملف في هذا التوقيت، وفضّلت تجنّب التصعيد العلني خلال القمة.

كما أكدت المصادر أن القيادة الصينية لا ترى في التفاهمات المعلنة نهاية لمسار التنافس، لكنها تعتبرها خطوة مؤقتة لإدارة خلاف طويل المدى، وأن بكين ستراقب بدقة مدى التزام الطرف الأمريكي بالتفاهمات التجارية، قبل أن تقرر المضي أبعد في أي صيغة تفاهم موسعة.

وختمت بالقول إن الصين لن تقبل مستقبلاً بأي مقاربة تفاوضية تضع نموذجها الاقتصادي موضع تساؤل، أو تسعى إلى فرض شروط خارجية على آلية اتخاذ القرار السيادي لديها، مشيرةً إلى أن العلاقات مع واشنطن ستبقى مرهونة بحجم الاحترام المتبادل، والتوازن الواقعي بين المصالح وليس بمجرد مخرجات ظرفية.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الصيني شي جين بينغ

حرب المعادن النادرة.. أمريكا تواجه احتكار الصين بـ"تحالف الردع"

مكاسب تكتيكية متبادلة

تضمّنت التفاهمات المعلنة جملةً من الإجراءات التي بدت في ظاهره اقتصادية لكنها تنطوي على دلالات سياسية عميقة. تمّ الاتفاق على تخفيض جزئي للرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن على الواردات الصينية، وعلى ترتيبات تجارية تخص صادرات المعادن النادرة التي تمسك الصين بمفاتيحها عالمياً، إضافةً إلى تفاهم أولي حول زيادة مشتريات الصين من المنتجات الزراعية الأمريكية، وفي مقدّمتها فول الصويا، بما يمنح الولايات المتحدة متنفساً انتخابياً واقتصادياً في الداخل.

بالنسبة لبكين، هذا المسار لا يُعد تنازلاً بل كسباً مزدوجاً، فمن جهة، هو كبحٌ للتصعيد الذي أثقل على اقتصادها الصناعي المتباطئ، ومن جهةٍ أخرى كسبُ اعتراف أمريكي ضمني بدورها المحوري في سلاسل الإمداد العالمية. أمّا لواشنطن، فالنتائج قصيرة الأجل قد تمنحها انطباعاً بقدرة الضغط على تعديل السلوك التجاري الصيني، لكن دون تحقيق اختراق بنيوي في جوهر المشكلة.

هدنة تكتيكية

المحلل السياسي الأمريكي مايكل هاريسون، المتخصص في شؤون المنافسة الجيوسياسية، قال خلال حديث لـ"إرم نيوز" إن نتائج قمة ترامب و شي لا تمثّل اختراقاً إستراتيجياً، بل تعكس ما وصفه بـ"الإدارة المرحلية للاحتكاك الهيكلي" بين القوتين، محذّراً من المبالغة في قراءة التفاهمات المعلنة كتحوّل نوعي في مسار العلاقة.

وأوضح هاريسون أن الجانب الأمريكي نجح في تحصيل مكاسب محدودة على المدى القصير، مثل توسيع واردات بكين الزراعية وتأجيل بعض الإجراءات الصينية الحساسة، لكنه لم يقترب من جوهر الإشكال القائم، وهو طبيعة الاقتصاد الصيني نفسه، الذي يعمل وفق منطق تدخلي موجه يصعب التفاهم معه ضمن قواعد السوق الحر.

وأشار إلى أن ما جرى لا يمكن اعتباره اتفاقاً بالمعنى المؤسسي أو القانوني، بل هو تفاهم سياسي مرن قائم على تبادل الرسائل أكثر من التزامات قابلة للقياس. واعتبر أن واشنطن تدرك هذا جيداً، ولذلك لم تُنهِ القيود التكنولوجية أو تُعدّل موقفها في الملفات الأمنية، إنما أبقت كل أدوات الضغط حاضرة في الخلفية.

كما لفت إلى أن الصين استخدمت القمة لشراء بعض الوقت دون تغيير قواعد اللعبة، مشيراً إلى أن بكين تتحرك بدقة للحفاظ على استقرار داخلي هشّ، دون التفريط بأدواتها الاستراتيجية، وفي مقدمتها السيطرة على الصناعات السيادية وسلاسل الإمداد المرتبطة بها.

واعتبر هاريسون بأن مخرجات القمة تعكس تراجعاً تكتيكياً من الطرفين لا أكثر، وإن استمرار التوتر بين واشنطن وبكين هو حالة بنيوية مرتبطة باختلاف نماذج القوة.

ورأى أن الولايات المتحدة لا تعارض صعود الصين كاقتصاد وازن، لكنها تتحفظ على الطريقة التي يُدار بها هذا الصعود، لا سيما مع تداخل المصالح الاقتصادية بالدوافع السياسية والأمنية. وبيّن أن واشنطن باتت تنظر إلى النموذج الصيني على أنه خصم تنافسي شامل، وليس مجرد شريك اقتصادي مزعج. 

أخبار ذات علاقة

شي وترامب

اتفاق "بلا سلام".. واشنطن وبكين تهدّئان حرب المعادن "مؤقتاً"

وأضاف أن التفاهمات الأخيرة، وإن بدت إيجابية من حيث الشكل، إلا أنها لم تلامس الإشكاليات الحقيقية، مثل خرق قواعد المنافسة، تشويه الأسواق بدعم غير شفاف، وتوظيف التكنولوجيا لأغراض إستراتيجية مقلقة، وفق التصورات الأمريكية.

وأوضح أن إدارة ترامب تعاملت مع القمة بوصفها فرصة لتهدئة الأسواق وتحصين الوضع الداخلي، دون تقديم تنازلات استراتيجية حقيقية، وأن ما تحقق في النهاية لم يكن سوى تثبيت الوضع القائم تحت سقف أكثر هدوءاً.

وختم بالقول إن العلاقة بين البلدين دخلت مرحلة "إدارة تنافس طويلة الأمد"، حيث يُتوقع أن تتكرر مثل هذه التفاهمات المرحلية من وقت لآخر، لكن من دون أن تصل إلى تسوية نهائية، لأن مصدر الاحتكاك يكمن في نمط التقدم ذاته الذي تعتمده كل دولة.

إدارة مرنة للاختلاف

و قال أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة الشعب الصينية،تشانغ ييهو، إن التفاهمات التي خرجت بها قمة ترامب و شي لا تعبّر عن تسوية نهائية، لكنها تشكّل "إدارة عقلانية للاختلاف" في مرحلة تتطلب من الصين الحفاظ على استقرار بيئتها الاقتصادية دون الدخول في مواجهات مكلفة وغير منتجة.

وأوضح تشانغ خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن بكين لم تنظر إلى القمة باعتبارها منصة لتقديم تنازلات أو إعادة التفاوض على منطق النمو الاقتصادي الوطني، فهي تعتبرها كإطار مؤقت لتفكيك بعض نقاط الاحتكاك التي تراكمت خلال العامين الأخيرين، لا سيما في مجالات الزراعة والتصنيع والإمداد الصناعي الوسيط.

وأشار إلى أن الصين تدرك أن حالة الارتباط المتبادل مع الاقتصاد الأمريكي لا يمكن تجاوزها في المدى القصير، وأن إدارة هذا الترابط تتطلب مرونة تكتيكية، خاصة في ظل تباطؤ النمو العالمي واضطراب سلاسل التوريد، وهو ما يجعل من التهدئة التجارية خياراً عقلانياً لا يُفهم على أنه تراجع أو ضعف.

وفيما يتعلّق بالقيود الأمريكية على الشركات التكنولوجية الصينية، شدّد تشانغ على أن هذه المسألة ستبقى من أبرز نقاط التوتر في المرحلة المقبلة، لأن الولايات المتحدة تستخدم الأدوات التجارية كوسيلة للضغط الجيوسياسي، فيما ترى الصين أن التقدم التكنولوجي هو حق سيادي مشروع لا يمكن التفاوض عليه.

كذلك أوضح تشانغ أن الصين تدير علاقتها مع الولايات المتحدة وفق منطق "تجنّب الصدام غير الضروري" طالما أن الطرف الآخر لا يفرض شروطاً تمسّ ركائز السيادة الاقتصادية، مثل التخطيط الصناعي المركزي، والدعم المؤسسي للابتكار التكنولوجي، والسيطرة على سلاسل التوريد الحساسة.

واعتبر أن قبول الصين بتعليق بعض القيود على تصدير المعادن النادرة لا يُفهم إلا ضمن منطق التوقيت الاستراتيجي، حيث يتيح لبكين إعادة ترتيب موقعها في السوق الدولية دون التخلّي عن أداة الضغط هذه بشكل نهائي. وأضاف أن إدارة الملف لم تُحوّل هذه الموارد إلى ورقة سياسية، لكنها استخدمتها كأداة توازن في ظل التصعيد الأمريكي المتكرر.

وختم بالقول إن بكين لا تراهن على بناء تفاهم دائم مع واشنطن، لكنها في الوقت نفسه لا تسعى إلى قطع الجسور، بل إلى بناء علاقة قائمة على البراغماتية المتبادلة، والتعامل مع التباينات باعتبارها هيكلية لا ظرفية.

تفاهم دون اختراق

رغم التهدئة الظاهرية، بقيت الملفات الأكثر حساسية خارج دائرة الحل بين واشنطن وبكين. فملف التكنولوجيا، بما فيه تقييد الشركات الصينية في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، ظلّ بلا تقدّم. كذلك الملف التايواني بقي ثابتاً على خطوطه الحمراء التقليدية، مع تأكيد الصين تمسكها بمبدأ "صين واحدة"، وامتناع واشنطن عن أي التزام يُفسّر كتنازل عن دعمها الدفاعي لتايبيه.

أما في الجانب الأمني، فالمسائل المتعلقة بالصواريخ الباليستية الدقيقة والتوسع العسكري في بحر الصين الجنوبي لم تُمسّ فعلياً. بذلك، يمكن القول إنّ القمة نجحت في خفض حرارة الصراع التجاري، لكنها لم تمسّ جذور التوتر الجيوسياسي، الذي يشكّل جوهر التنافس بين القوتين.

تحليل منطق التفاوض بين ترامب وشي يكشف عن تباينٍ في المقاصد. الصين سعت إلى كسب الوقت وتخفيف الضغوط على اقتصادها الداخلي وإعادة الثقة إلى الأسواق، دون أن تغيّر بنية نموذجها الاقتصادي القائم على الدولة المنتجة والمنافسة المدعومة. أما الولايات المتحدة، فبدت معنية بتهدئة الجبهة الصينية لتتفرغ لمعاركٍ أخرى، سواء في الشرق الأوسط أو في ملفاتٍ داخلية ضاغطة.

بذلك، يغدو الاتفاق أقرب إلى صفقة مرحلية تنتمي إلى منطق "الإدارة بالأزمات" وليس إلى بناء شراكةٍ إستراتيجية متكاملة. فالمنافسة الأمريكية الصينية ليست خلافاً تجارياً فحسب، لكنها صراعٌ على العولمة على من يضع القوانين ومن يمتلك التكنولوجيا ومن يتحكم بالمعلومات والطاقة وسلاسل الإنتاج.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC