logo
العالم

"شنغن عسكري".. أوروبا تعزز "اللوجستيات" تحسبًا لمواجهة مع روسيا

قوات أوروبيةالمصدر: (أ ف ب)

أيقظت الحرب الروسية - الأوكرانية  أوروبا من "سباتها العسكري الطويل"، الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، فشرعت في سلسلة إجراءات تعزز قدراتها الدفاعية والأمنية، كان آخرها السعي إلى تذليل العقبات اللوجستية أمام تنقلات القوات العسكرية عبر القارة.

ويعكس هذا التحرك الأوروبي الجديد، الذي يضاف إلى سلسلة خطوات سابقة تمثلت في التسليح وتعزيز الجيوش، وزيادة الإنفاق العسكري، الهواجس من أن المواجهة مع روسيا لم تعد مجرد تكهنات، بل أصبحت احتمالا واقعيا ينبغي الاستعداد له.

وفي سياق التبرير للخطوة الجديدة، اقتبس المفوض الأوروبي للدفاع، أندريوس كوبيليوس، مقولة للجنرال الأمريكي جون بيرشينغ (1860-1948)، بأن "قوات المشاة تفوز بالمعارك، لكن اللوجستيات تفوز بالحروب".

هذه المقولة، التي تولي أهمية حاسمة للجانب اللوجستي في الحروب، تبدو ملحة لأوروبا في الوقت الراهن، إذ تظهر الاختبارات العملية أن دول التكتل غير قادرة على تحريك قواتها ومعداتها بالكفاءة والسرعة المطلوبة داخل القارة في حال نشوب نزاع مع روسيا.

ولخّص مسؤول أوروبي هذا العائق العسكري بقوله، إن "رتل دبابات متمركزا في إسبانيا لا يجب أن يصل إلى بولندا بعد انتهاء الحرب"، وفقًا لما نقلته "فرانس برس".

أخبار ذات علاقة

جنود من "فيلق اليورو" خلال احتفال أمام البرلمان الأوروبي، ستراسبورغ، 30 يونيو 2014.

أوروبا تُسلّح طرقها وجسورها.. خطة بـ100 مليار يورو لربط القارة بأوكرانيا

الواقع والطموح

يشير خبراء إلى أن "البيروقراطية" الأوروبية تكبل، حاليًا، سلاسة نقل القوات عبر القارة، "فلا يزال من الضروري الحصول على تصاريح من كل دولة عضو على حدة لنقل الدبابات عبر الاتحاد الأوروبي، وبمجرد صدور التصاريح، من المرجح جدًا أن تُجبر الدبابات على سلوك طرق بديلة عديدة لتجنب الطرق أو الجسور التي لا تتحمل وزنها".

وكان ديوان المحاسبة الأوروبي قد أشار في تقرير سابق، شمل انتقادات لأوضاع النقل العسكري، إلى أن "دولة عضو في التكتل لم تمنح الإذن بالعبور لدبابات، لأن وزنها يتجاوز الحد المنصوص عليه في قواعد المرور على الطرق".

وللتغلب على هذه العراقيل، "تم تحديد نحو 500 نقطة عبور أساسية على طول ممرات من المرجح أن تستخدمها جيوش الاتحاد الأوروبي في حال اندلاع حرب".

لكن المفوضية الأوروبية تعتقد أن معظم هذه النقاط ستحتاج إلى تحديث لتسهيل حركة القوات المسلحة، وقد يحتاج هذا التحديث إلى نحو 100 مليار يورو، على حد تقديرها.

وتقترح المفوضية في سياق تذليل العقبات، إقرار "تصريح موحد" صالح للتنقل في أنحاء الاتحاد الأوروبي، وذلك لتجنب التصاريح الكثيرة التي يجب طلب بعضها قبل 45 يومًا، وهو إجراء يمكن وصفه بـ"شنغن عسكري"، إذ تتيح اتفاقية "شنغن" تنقل الأفراد ضمن دول التكتل دون أي عائق.

وتسعى المفوضية إلى تبسيط الإجراءات، بحيث يتم تقليص وقت نقل المعدات والقوات إلى "ثلاثة أيام"، عند الحاجة.

وفي مؤشر على أن هذا المسعى الأوروبي بات يتمتع بأولوية قصوى، تقترح المفوضية تخصيص ما لا يقل عن 17 مليار يورو للنقل العسكري خلال الأعوام 2028-2034، وهو مبلغ أعلى بعشر مرات عن الأعوام السابقة (2021-2027).

أخبار ذات علاقة

قوات لحلف الناتو

"الناتو وروسيا".. هل اقتربت حرب أوروبا الكبرى؟ (فيديو إرم)

احتمالات المواجهة 

وبحسب خبراء، تظهر هذه الإجراءات أن الحكومات الأوروبية بدأت تدرك، أخيرًا، أن الحروب لا تكسب فقط بالمعدات والأسلحة المتطورة، بل بمدى قدرة الجيوش على المناورة والوصول إلى مكان المواجهة في الوقت المناسب، والمقصود بالطبع الجبهة الشرقية مع روسيا.

ويضيف الخبراء أن إطلاق هذه المبادرة، يكشف عن تحول جوهري في السياسة الأمنية الأوروبية التي باتت تميل إلى أن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مع روسيا لم يعد مجرد سيناريو نظري، فقد تدق "طبول الحرب" في أي لحظة.

ومثل هذا التخوف من مواجهة وشيكة، أحدث، كما يحاجج الخبراء، تغييرًا في العقيدة العسكرية الأوروبية التي اعتمدت لعقود على المظلة الأمنية الأمريكية، بيد أن الحرب الأوكرانية وتداعياتها وجهت رسائل واضحة لأوروبا التي باتت على قناعة بأن أي نزاع في القارة يتطلب تعبئة عسكرية مستقلة، بمعزل عن واشنطن.

عصر الأمن والدفاع

ويلفت الخبراء إلى أن دول القارة باتت تدرك بأن الضوابط والقوانين التي صممت أساسًا لزمن السلم، لم تعد صالحة وسط النزاعات والتوترات الجيوسياسية، قرب حدودها، معتبرين أن هذه الإجراءات تعلن عن حقيقة أن أوروبا شرعت في الدخول إلى عصر "الأمن والدفاع" المستقل، الذي يستلزم تسخير أقصى الإمكانات، بعد عقود من الاعتماد على السلم والافتراضات المطمئنة.

ويخلص خبراء إلى القول إن أوروبا باتت تتعامل مع روسيا كـ"تهديد مباشر"، وليست مجرد خصم سياسي، فروسيا تسيطر، بحسب الخرائط الميدانية الحالية، على حدود أطول مع الاتحاد الأوروبي، ومع توسع حلف الناتو ليضم دولًا مثل فنلندا والسويد، ازداد طول خطوط الاحتكاك بين الجانبين، وهو ما يرفع من احتمالات التصعيد.

وهذا الأمر يتطلب استعدادًا واستنفارًا أوروبيًا يشمل كل الجوانب العسكرية، وفي مقدمتها "اللوجستيات". 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC