قال خبراء فرنسيون إن توقيف باريس لدبلوماسي جزائري، بتهمة التورط في قضية اختطاف معارض جزائري، يأتي في توقيت دقيق. وأشاروا إلى أن القرار يثير تساؤلات حول وجود جهات داخل الدولة الفرنسية لا ترغب في استعادة الدفء للعلاقات بين باريس والجزائر.
ويرى الباحث السياسي الفرنسي جان-باتيست كوبرين من معهد مونتين لـ"إرم نيوز" أن هذه القضية "أبعد ما تكون عن مجرد إجراء قضائي تقني"، بل تحمل خلفيات سياسية قد تؤدي إلى نسف مسار التقارب الذي بدأ لتوّه بين البلدين.
وأعربت الجزائر عن "احتجاجها الشديد" بعد توقيف أحد موظفيها القنصليين في فرنسا، بتهمة التورط في قضية اختطاف المعارض الجزائري أمير بوحجور (المعروف باسم أمير دي زاد)، أواخر أبريل 2024 على الأراضي الفرنسية.
وفي بيان شديد اللهجة، اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية أن هذا "التطور غير المقبول وغير المبرر" سيلحق ضررًا بالغًا بالعلاقات الثنائية، مؤكدة أنها "لن تترك هذه الحادثة تمر دون عواقب".
من جهتها، أوضحت السلطات القضائية الفرنسية، أن 3 رجال – بينهم موظف في أحد القنصليات الجزائرية – وُجهت إليهم تهم تتعلق بالاختطاف والاحتجاز التعسفي على صلة بعمل إرهابي، وتمت إحالتهم على التحقيق وفقًا للنيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب.
وأمير بوحجور، المقيم في فرنسا منذ عام 2016، والمطلوب من قبل الجزائر لمحاكمته، حصل على حق اللجوء السياسي عام 2023.
وفي لهجة تصعيدية، رأت الجزائر أن هذا المسار القضائي "الاستثنائي وغير المسبوق في العلاقات الثنائية" ليس بريئًا، بل يهدف إلى "تخريب جهود إعادة إطلاق العلاقات" التي تم الاتفاق عليها بين الرئيسين الفرنسي والجزائري خلال مكالمتهما الأخيرة.
كما انتقدت بشدة ما سمته "الانحراف الإجرائي" بعد توقيف الموظف القنصلي "في الشارع دون إبلاغ مسبق عبر القنوات الدبلوماسية"، مؤكدة أن القضية "تعتمد فقط على وجود هاتف المتهم في محيط منزل بوحجور".
وعلق مصدر دبلوماسي فرنسي بحذر قائلًا: "السلطة القضائية مستقلة تمامًا ولا نتدخل في مسار التحقيق.
وتسود حالة من الترقب والقلق في الأوساط السياسية بعد أن تزامن توقيف الدبلوماسي مع بداية انفراج نسبي في العلاقات الثنائية، إثر الاتصال الهاتفي الذي جمع بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون في 31 مارس الماضي، حيث اتفقا على إعادة فتح قنوات الحوار بين البلدين.
ويرى الخبير الفرنسي جان-باتيست كوبرين أن هذا "التوقيت يثير الشكوك"، مضيفًا: "هناك صقور داخل الإدارة الفرنسية يزعجهم تقارب استراتيجي مع الجزائر، ويعتبرون أن الملفات الحقوقية وسيلة ضغط فعالة".
وبدوره، قال الخبير في العلاقات الدبلوماسية أوليفييه روا، من معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS)، لـ"إرم نيوز" إن "التركيز الإعلامي والقضائي على هذه القضية يحمل رسالة ضمنية مفادها أن المصالحة مع الجزائر ليست مسألة محسومة داخل الدولة الفرنسية".
تراكم الأزمات منذ صيف 2023
وشهدت العلاقات بين باريس والجزائر توترًا متزايدًا منذ توقيف الكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال.
وعلى الرغم من مؤشرات الانفراج مؤخرًا، تأتي هذه الحادثة لتعيد طرح علامات استفهام حول مستقبل العلاقات، وعمق الانقسامات داخل المؤسسات الفرنسية بشأن طبيعة العلاقة مع الجزائر.