تسود حالة من الترقب في دول غرب أفريقيا لما ستؤول إليه الأوضاع في غينيا بيساو عقب الانقلاب العسكري الذي يحمل أبعادًا جيوسياسية ويعطل تقدم مشاريع إقليمية كبرى يراهن عليها لنقل الغاز إلى أوروبا.
في سلسلة الانقلابات الطويلة التي شهدتها غرب إفريقيا منذ الاستقلال، يُعدّ الانقلاب الذي وقع في 26 نوفمبر الأكثر غرابة بعد أن ادّعى الرئيس إمبالو اعتقاله، ثم أعلنت السنغال بعدها بيوم واحد وصول الرئيس المخلوع عمر سيسوكو إمبالو إلى البلاد سالمًا معافى.
وفي اليوم نفسه، تسلّم أحد المقربين من رئيس الدولة الجنرال هورتا نتام رئاسة حكومة انتقالية لمدة عام.
وبرّر الانقلابيون الخطوة بتطهير البلاد من الفساد ومهربي المخدرات، لكن توقيف العملية الانتخابية والانتقال الديمقراطي سيترك بلا أدنى شك ندوبًا في الاقتصاد المنهك، ويعطل تقدم مشروع لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا.
ويلاحظ خبراء مختصون في الأمن، أن حرب النفوذ الخفية في غرب ووسط أفريقيا والتنافس الأمريكي مع روسيا والصين على التموقع بهذه المناطق وراء محاولات خلق اضطرابات أمنية من غينيا بيساو إلى نيجيريا.
ففي سياق إعادة تشكيل أسواق الغاز العالمية، التي تتسم بالتوترات في أوروبا والتنافس بين الموردين، يحتدم التنافس الروسي الأمريكي على مشروع الغاز التاريخي، إذ من الدول المقرر أن يمر بها انطلاقًا من نيجيريا، وبنين، وتوغو، وغانا، وساحل العاج، وليبيريا، وسيراليون، وغينيا، وغينيا بيساو، وغامبيا وهي دول أغلبها تشهد تغييرات سياسية متلاحقة وفوضى أمنية ناجمة عن سيطرة تنظيمات إرهابية على عدة مناطق.
ففي دلتا النيجر في نيجيريا نفسها موبوءة بالجماعات المتطرفة وغيرها ممن يقومون بتخريب البنية التحتية للطاقة بانتظام، ويسرقون النفط.
وتزامن الانقلاب العسكري بغينيا بيساو بتلويح الرئيس دونالد ترامب بقيادة تدخل عسكري في نيجيريا، والذي قد يشعل حروبًا في عدة دول وصولًا إلى القرن الأفريقي، بينما خط أنبوب الغاز النيجيري الذي سيمر عبر البحر مرورًا بغينيا بيساو يبقى تحت أنظار روسيا والولايات المتحدة.
وبالنسبة لواشنطن، يُمثل هذا الممر بديلًا آمنًا لطرق الطاقة التي تُهيمن عليها روسيا، وتتحرك لمنع هيمنة موسكو على صنع القرار ببلدان أخرى عبر الانقلابات العسكرية، مثلما حدث في مالي والنيجر وبوركينافاسو.
ومعلوم عن رئيس غينيا بيساو المخلوع قربه من فرنسا لكنه حظي باستقبال مطلع العام الجاري من الرئيس فلاديمير بوتين في الكرملين خلال الاحتجاجات العنيفة في بلاده حيث عبر الأخير عن رغبته في إعادة انتخاب عمر سيسوكو إمبالو رئيسًا لغينيا بيساو.
وأكد أن العلاقات الجيدة بين روسيا وغينيا بيساو ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقيادته ودعمه. لكن سارعت المعارضة الغينية إلى إدانة التدخل الروسي في الشؤون الداخلية لبلادها.
أما روسيا ردّت على تحذير الرئيس الأمريكي للحكومة النيجيرية بشأن ما وصفه بالتهاون في مكافحة الإرهاب.
وكشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن موسكو مستعدة لمساعدة أبوجا في جهودها ضد الإرهاب، بعد أن أشارت إلى أن جهود البلاد لمكافحة التطرف كانت "جدية" حتى الآن.
ولا تخفي روسيا اهتمامها بتمويل مشروع خط الأنابيب النيجيري، باعتباره استثمارًا سيعود بأرباح طائلة عليها ويساعدها على زيادة مداخيلها من مصدر غاز آخر، مع تقليص إمداداتها إلى أوروبا بسبب التوترات الجيوسياسية القائمة.