رأى خبراء في السياسة الفرنسية أن الأزمة الجارية داخل حزب الجمهوريين تعكس ما هو أبعد من مجرد خلاف انتخابي محلي، بل تشير إلى تفكك داخلي وصراع تيارات متناحرة بين جيل سياسي يسعى للبقاء وآخر يبحث عن قيادة جديدة.
وتعبّر الأزمة عن صراع داخلي أعمق يهدد وحدة الحزب قبيل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2027. فبين طموحات رشيدة داتي المثيرة للجدل، وعودة ميشيل بارنييه إلى الواجهة، تظهر ملامح أزمة قيادة وانقسامات هيكلية تهدد بمزيد من الضعف للمعسكر اليميني الفرنسي.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث السياسي ألكسندر ديز من معهد مونتاني لـ"إرم نيوز" أن: "الصراع بين ميشيل بارنييه ورشيدة داتي ليس مجرد خلاف على ترشيح برلماني، بل هو اختبار حقيقي لقدرة الحزب على البقاء موحدًا في أفق الانتخابات الرئاسية 2027، موضحاً أنه إذا فشل الجمهوريون في التوافق حول مرشحيهم في معارك صغيرة، فكيف سيواجهون معركة قصر الإليزيه؟".
وتابع ديز: "الرهان الأكبر اليوم ليس فقط على من سيترشح في الدائرة الثانية بباريس، بل على من سيفرض وزنه الرمزي والمؤسساتي داخل الحزب. داتي تمثل تيارًا إعلاميًا وشعبويًا، بينما بارنييه هو مرشح التيار الكلاسيكي المحافظ المدعوم من القواعد الهادئة".
كما اعتبر أن المفارقة هي أن الحزب الذي كان يومًا ما العمود الفقري للجمهورية الخامسة بات اليوم يبحث عن زعامة واضحة، وسط قيادات منقسمة وشعبية متراجعة أمام صعود أقصى اليمين واليمين الوسط المدعوم من ماكرون".
من جانبه، يرى الباحث جيوم تابيريه، من مركز الدراسات السياسية بباريس، في تصريح لـ"إرم نيوز" أن: "عودة داتي ومحاولتها فرض نفسها رغم ملاحقتها القضائية توضح مدى الارتباك داخل الحزب بشأن رموزه وخياراته. فالحزب يتخبط بين أسماء تاريخية فقدت بريقها، ووجوه جدلية تحظى بحضور إعلامي لا سياسي".
وأضاف تابيريه أن: "اليمين الجمهوري بات أسيرًا لضغوط متناقضة: من جهة ضغط الشارع اليميني المتشدد الذي يريد وجوهًا هجومية كداتي، ومن جهة أخرى دعوات التجديد المؤسساتي والانضباط الحزبي التي يجسدها بارنييه".
وفي نظر تابيريه، فإن هذه الأزمة الانتخابية المصغرة: "تكشف ضعف المركز القيادي داخل الحزب. فحتى مع دعم وزير الداخلية الحالي برونو ريتايو لبارنييه، لا يبدو أن هناك قدرة على فرض قرار واضح دون إثارة انقسام جديد".
عقد مساء الأحد في باريس اجتماعٌ سياسي حاسم جمع بين رشيدة داتي، وزيرة الثقافة وعمدة الدائرة السابعة في باريس، وميشيل بارنييه، رئيس الوزراء الأسبق، وبرونو ريتايو، وزير الداخلية وزعيم حزب الجمهوريين، وذلك لمحاولة تفادي اندلاع صراع داخلي خطير داخل الحزب اليميني، على خلفية التنافس على المقعد النيابي في الدائرة الثانية من باريس.
ويأتي هذا الاجتماع في وقت بالغ الحساسية، إذ يسبق اجتماعًا رسميًا آخر يعقد يوم الاثنين، يتعلق بلجنة الترشيحات الوطنية للحزب، والتي من المفترض أن تحسم اسم المرشح لانتخابات تشريعية فرعية مقررة في الخريف المقبل، عقب إعلان عدم أهلية النائب من معسكر الرئاسة (حزب النهضة) جان لوسوك من قبل المجلس الدستوري.
الدائرة الثانية في باريس تُعد من أكثر الدوائر ملاءمة لليمين الفرنسي من حيث التوجه الانتخابي، ولهذا، ينظر إلى الانتخابات الفرعية المقبلة كفرصة لتعزيز تمثيل الحزب في العاصمة، لكن طموحات شخصيات بارزة من داخل الحزب تُهدد بتفجير وحدة الصف.
من جهته، أعلن رئيس الوزراء الأسبق ميشيل بارنييه، الذي يُنظر إليه كوجه محتمل للترشح الرئاسي، عن رغبته في الترشح لهذا المقعد.
لكن في المقابل، تُلوّح رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الحالية ورئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس، والتي يُرجَّح ترشحها مستقبلاً لرئاسة بلدية باريس، بنيّتها خوض هذه الانتخابات أيضًا، رغم وجود ملف قضائي مفتوح ضدها.
وقد أُحيلت داتي الأسبوع الماضي إلى المحكمة الجنائية بتهم تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ، لكنها لا تزال تحافظ على الغموض بشأن ترشحها، الأمر الذي يزيد من حدة التوتر داخل الحزب.
ويبدو من غير المرجح أن تحظى داتي بترشيح اللجنة الوطنية في الحزب، خاصة أن بارنييه يحظى بدعم واضح من رئيس الحزب ووزير الداخلية الحالي برونو ريتايو.
وكانت داتي قد استبعدت من حزب الجمهوريين في 2024، بعد انضمامها إلى حكومة غابرييل أتال كوزيرة للثقافة، إلا أنها عادت مؤخرًا إلى الحزب واستعادت عضويتها.
خلال حملة انتخاب رئيس الحزب، دعمت داتي التيار المؤيد لـلوران فوكوييه، في مواجهة برونو ريتايو الذي خرج فائزًا في نهاية المطاف.
وتعكس هذه التطورات حجم الانقسام داخل الحزب اليميني العريق، في وقت يستعد فيه اليمين الفرنسي لمواجهة مصيرية في رئاسيات 2027، حيث سيكون عليه أن يُقنع الفرنسيين بأنه لا يزال يمتلك مشروعًا سياسيًا موحدًا وقادرًا على المنافسة في وجه معسكرات ماكرون ولوبان على السواء.