ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء
تتحول الموانئ في العقد الأخير من مجرد بوابات تجارية إلى عقدة أساسية في معادلة الأمن القومي والنفوذ الجيوسياسي.
ومع تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة والصين، باتت البنية التحتية للموانئ مرآة لصراعات اقتصادية وتقنية واستراتيجية تمتد من آسيا إلى الأمريكتين.
تُعد الموانئ شرايين الاقتصاد العالمي، إذ يمر عبرها نحو 90% من التجارة الدولية؛ لكنها أيضًا نقاط ضعف محتملة، مع تعاظم مخاطر التهريب والإرهاب والهجمات السيبرانية.
ووفق محللين، فإن هذا الواقع فرض على الحكومات تطوير استراتيجيات شاملة لا تقتصر على الجوانب اللوجستية، بل تشمل تعزيز الرقابة، وتنسيق السياسات، وتدعيم المرونة أمام التهديدات الرقمية.
أبرز التحديات أمام الولايات المتحدة يتمثل في توسع استثمارات الصين ضمن "مبادرة الحزام والطريق"، حيث تمتلك أو تدير بكين حصصًا في أكثر من 40 ميناء بـ50 دولة، بينها مشاريع ذات طبيعة مزدوجة يمكن استخدامها للأغراض التجارية والعسكرية، وفق دراسة لمركز "أوبزرفر" للأبحاث.
ويشير خبراء إلى أن ميناء "تشانكاي" العميق في بيرو، الذي تموله شركة صينية، يعكس بوضوح الطموح البحري لبكين في نصف الكرة الغربي، وهو ما أثار قلق واشنطن.
دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية، خصوصًا مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لإعادة صياغة استراتيجيتها البحرية؛ فبينما ركزت إدارة بايدن على تحديث البنية التحتية وتعزيز الأمن السيبراني من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، يتوقع أن تتبنى إدارة ترامب نهجًا أكثر حزمًا، يربط أمن الموانئ بمفهوم "السلام من خلال القوة" ويشدد على تقليص الاعتماد على المعدات الصينية في المرافئ الأمريكية.
لم تعد المخاطر مقتصرة على تهريب البضائع أو الهجمات التقليدية. فقد تصاعدت الهجمات الإلكترونية على الموانئ عالميًا، بما فيها هجوم فدية استهدف ميناء سياتل العام الماضي. كما أثارت استثمارات صينية في تصنيع رافعات الشحن المستخدمة في موانئ أمريكية مخاوف من احتمال تسريب بيانات أو استغلال الثغرات التقنية.
وتؤكد مصادر في الكونغرس أن لجنة فرعية فتحت تحقيقًا في هذه القضية منذ 2023، بينما تعمل وزارة الأمن الداخلي على تطوير برامج لزيادة قدرات الموانئ على مواجهة الاختراقات.
ويشير خبراء إلى أن الأمن البحري في القرن الحادي والعشرين لم يعد ينفصل عن أمن البيانات وسلامة سلاسل الإمداد الرقمية.
وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أطلقت الولايات المتحدة برامج كبرى مثل "مبادرة أمن الحاويات" (CSI) التي تفرض فحص الحاويات عالية الخطورة في موانئ المغادرة الأجنبية قبل شحنها إلى أمريكا.
كما وُضع "قانون تأمين موانئ الدخول" عام 2023 لتدعيم القوى العاملة الجمركية وتحديث أنظمة الفحص غير التطفلي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأشعة المتقدمة.
وتنسق تسع وكالات اتحادية عبر "الشبكة الوطنية لجاهزية الموانئ" لمراقبة العمليات، فيما يمول "برنامج منح أمن الموانئ" مشروعات البنية التحتية الدفاعية.
ويرى خبراء أن هذه الجهود تمثل انتقالًا من مقاربة رد الفعل إلى استراتيجية استباقية تقوم على الابتكار والتعاون الدولي.
رغم وجود أطر إقليمية مثل منظمة الدول الأمريكية ومدونة ISPS لأمن الموانئ، فإن صعود النزعة الأحادية في السياسة الأمريكية قد يحد من التنسيق الجماعي.
ويشير محللون إلى أن ترامب يميل إلى مقاربة تركز على المصلحة القومية أكثر من الأمن الجماعي، ما قد يضعف آليات التصدي للتهديدات العابرة للحدود، خصوصًا في ظل توغل بكين في موانئ أمريكا اللاتينية والكاريبي.
إن توسيع الصين نفوذها في هذه المناطق – عبر موانئ ومنشآت لوجستية – يثير مخاوف أمريكية من استخدام هذه المواقع لجمع معلومات استخباراتية أو تعطيل سلاسل التوريد في الأزمات.
لذلك يرجح أن تتجه واشنطن لتشديد الرقابة على الاستثمارات الأجنبية في البنى المينائية وتعزيز الشراكات مع حلفاء موثوقين، مع الاحتفاظ بخيار إعادة نشر قوات أو تجهيزات دفاعية في بعض المرافئ الحيوية.
ويظهر تحليل واقع الموانئ أن هذه المنشآت باتت في صميم التوازنات الاستراتيجية والاقتصادية المعاصرة. فبينما تسعى بكين لاستخدامها كمفاتيح للنفوذ التجاري والعسكري، تحاول واشنطن إعادة تأهيل بنيتها التحتية البحرية وضمان أمنها السيبراني لتظل قادرة على حماية تجارتها وتفوقها العالمي.
ويرى خبراء أن نجاح أي سياسة أمريكية في هذا المجال يتطلب موازنة دقيقة بين حماية الأمن القومي وتسهيل حركة التجارة، إضافة إلى الاستثمار في الابتكار والتعاون مع الشركاء الدوليين لمواجهة التحديات المتسارعة.
وفي عالم تتشابك فيه خطوط الشحن مع تدفقات البيانات والموارد الحيوية، يبدو أن أمن الموانئ سيبقى أحد محاور الصراع الجيوسياسي في العقود المقبلة.