في وقت يحاول فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء الحرب الأوكرانية، يستعد فريقه لإحداث مفاجأة قد تسرع في استئناف العلاقات مع موسكو بعد سنوات من القطيعة في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن.
وخلال الساعات الماضية، كشفت تقارير صحفية أن البيت الأبيض طلب من وزارتي الخارجية والخزانة إعداد قائمة بالعقوبات التي يمكن تخفيفها، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على كيانات وأفراد محددين.
وبحسب مصادر مطلعة، تأتي هذه الخطوة في إطار محادثات أمريكية-روسية مرتقبة تهدف إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين.
ووفقًا لصحيفة "الغارديان"، يُعِد المسؤولون الأمريكيون عادةً ما يُعرف بـ"أوراق الخيارات" المتعلقة بالعقوبات، لكن الطلب الأخير من البيت الأبيض يشير إلى جدية الإدارة الأمريكية في استكشاف إمكانية تخفيف القيود المفروضة على موسكو ضمن صفقة محتملة.
ولم تتضح بعد الشروط التي قد تضعها الولايات المتحدة مقابل هذه الخطوة، وسط تساؤلات حول مدى تأثيرها على الأزمة الأوكرانية والعلاقات الغربية-الروسية.
في هذا السياق، صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، بأن إدارة الرئيس جو بايدن أبلغت فريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب بقرارها فرض عقوبات واسعة النطاق على قطاع الطاقة الروسي.
من جهة أخرى، بحث وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، مع وزير الخزانة الأمريكي إمكانية إلغاء بعض العقوبات المفروضة على روسيا، مشيرًا إلى أن إدراج مصرف "غازبروم بنك" الروسي في قائمة العقوبات الأمريكية سيخلق صعوبات أمام عدد من الدول الأوروبية المستوردة للغاز الروسي.
وفي الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لحلفاء واشنطن الأوروبيين أن العقوبات على روسيا ستظل قائمة حتى تسوية الأزمة الأوكرانية، مما يعكس التزام الولايات المتحدة بالضغط على موسكو لحل النزاع المستمر.
وتأتي هذه التطورات في ظل دعوات متزايدة من قبل بعض الدول والمنظمات الدولية لرفع العقوبات عن روسيا، مشيرين إلى تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي والحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات المشتركة.
وأكد آصف ملحم، مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات، على ضرورة الفصل بين إنهاء الحرب ورفع العقوبات المفروضة على روسيا، خاصة أن عدد هذه العقوبات كبير جدًّا، وحتى في حال تخفيفها، ستظل مؤثرة.
وأوضح أن التسريبات تشير إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يسعى لرفع العقوبات عن بعض الأفراد والشركات، حيث توجد عقوبات تستهدف كيانات وأشخاصًا محددين. وبالتالي، فإن أي خطوة في هذا الاتجاه تتطلب دراسة طبيعة هؤلاء الأفراد والشركات.
وفي تصريحات خاصة، لـ"إرم نيوز"، أكد ملحم أن رفع العقوبات، في الغالب، سيشمل شخصيات تلعب دورًا في تمهيد الطريق أمام استثمارات أمريكية في روسيا أو مشروعات استثمارية مشتركة بين البلدين.
وأضاف: "دائمًا ما نتحدث عن المعادن النادرة، والطاقة المشتركة، والتكنولوجيا المتقدمة، والمشروعات المحتملة. هناك العديد من الشركات الغربية التي تسعى للعودة إلى السوق الروسية، ولكن هذا لا يعني إنهاء الحرب، إذ تطالب روسيا برفع العقوبات بالكامل".
أما فيما يتعلق بالأصول الروسية المجمدة في المصارف الغربية، فقد أوضح ملحم أن عملية الاستيلاء عليها معقدة للغاية، مستبعدًا أن تقدم فرنسا على مثل هذه الخطوة، نظرًا لتداعياتها الخطيرة على النظام المالي والضريبي الغربي.
وأضاف: "إذا قامت فرنسا بالاستيلاء على هذه الأصول، فسيؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في النظام المالي الأوروبي، مما يحد من قدرته على جذب الاستثمارات".
وأشار إلى أن الاستيلاء على الأصول الروسية لا يقتصر على العواقب الاقتصادية فحسب، بل يواجه أيضًا إشكالات قانونية معقدة، خاصة في ظل المعاهدات التي تربط روسيا، وريث الاتحاد السوفيتي، بالدول الأوروبية. لذا؛ فإن أي خطوة في هذا الاتجاه تتطلب دراسة معمقة من قبل خبراء قانونيين وماليين.
وتابع ملحم قائلًا: "أتذكر تصريح بيرلي بريسكر، المبعوثة الأمريكية الخاصة لإعادة إعمار أوكرانيا، حين قالت إن الأمر يتطلب آلاف المحامين لرفع هذه العقوبات، ما يعكس مدى تعقيد المسألة".
محفزات محتملة
وعن المحادثات بين الوفدين الأمريكي والروسي التي جرت في المملكة العربية السعودية، أوضح ملحم أن كل طرف قدّم مطالبه وشروطه والمحفزات المحتملة للطرف الآخر، بينما يدرس كل جانب خياراته التفاوضية.
وأشار إلى أنه إذا قامت الولايات المتحدة برفع بعض العقوبات، فقد تقدم روسيا بعض التنازلات، لكن من غير المرجح أن تكون هذه التنازلات ميدانية على الأرض.
وأضاف ملحم أن لدى روسيا أيضًا أصولًا غربية مجمدة، ما يجعل المفاوضات بين الجانبين قائمة على مبدأ "المعاملة بالمثل". ومع ذلك، شدد على أن هذه التحركات لا تعني بالضرورة إنهاء الحرب، حيث تخضع هذه المسألة لشروط أكثر تعقيدًا.
وختم حديثه بالقول: "ما زلنا في مرحلة مقدمات إنهاء الحرب، وإذا تم رفع العقوبات، فقد يكون ذلك خطوة لبناء الثقة بين روسيا والغرب، ولكن لا أرى أن إنهاء الحرب سيحدث في هذا الإطار، ولا أعتقد أنه قريب المنال".
مفتاح إعادة العلاقات مع الغرب
من جانبه، قال سمير أيوب، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن العلاقات الروسية-الأمريكية بدأت تشهد تحسنًا نسبيًّا بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم، خاصة في ظل تصريحاته المتكررة بشأن العلاقة مع موسكو والصراع الروسي-الأطلسي في أوكرانيا.
وأوضح أيوب أن ترامب يرى أن الأزمة الأوكرانية لم تنشأ بسبب رغبة روسيا في احتلال أوكرانيا، بل نتيجة استفزاز حلف الناتو لموسكو عبر التمدد نحو حدودها، ومحاولة تحويل أوكرانيا إلى قاعدة عسكرية أو استخدامها كأداة لزعزعة الاستقرار الداخلي في روسيا.
وأضاف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن روسيا اعتبرت هذه التحركات تهديدًا مباشرًا، ورأت أن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة لا يمكن أن يتحقق دون رفع العقوبات المفروضة عليها.
وأشار أيوب إلى أن واشنطن قبلت تعيين سفير روسي جديد في واشنطن، وهو مؤشر على رغبة أمريكية في تهدئة التوترات، لكن ذلك غير كافٍ، إذ لا بد أيضًا من رفع العقوبات الاقتصادية، وهو ما قد يفتح الباب أمام الشركات الأمريكية للعمل داخل الأراضي الروسية، سواء في المناطق التابعة لروسيا تاريخيًّا، أو حتى في المناطق التي ضمتها بعد الاستفتاء.
وأكد أن السماح للشركات الأمريكية بالعمل في تلك المناطق قد يُفسَّر على أنه اعتراف ضمني بشرعية السيطرة الروسية عليها، وهو تطور قد يكون له تأثير كبير على مستقبل الصراع.
تعزيز الثقة وعودة الاستثمارات
وأوضح أيوب أن إعادة الاستثمارات إلى روسيا تتطلب أولًا رفع العقوبات الأمريكية، وهو ما سيساهم في نجاح المفاوضات حول حل الصراع في أوكرانيا، كما قد يشكل مدخلًا لحل ملفات عالقة، مثل إحياء المعاهدات العسكرية التي تم إلغاؤها بين الطرفين، بما في ذلك معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى ومعاهدة "ستارت 1" الخاصة بالأسلحة الاستراتيجية.
وشدد على أن استمرار العقوبات يفاقم أزمة الثقة بين موسكو وواشنطن، مما يجعل من الضروري إيجاد آلية لتبادل الضمانات بين الجانبين، بحيث يتراجع كل طرف عن بعض القرارات التي اتخذها خلال فترة التوتر.
أزمة قانونية وسياسية
وفيما يتعلق بالأصول الروسية المجمدة في المصارف الغربية، أشار أيوب إلى أن عدة دول أوروبية حاولت مصادرتها، لكن ذلك يعد انتهاكًا للقوانين الدولية وسابقة خطيرة قد تضر بثقة المستثمرين في هذه الدول، خصوصًا إذا تكررت مثل هذه الإجراءات مستقبلاً.
وأوضح أنه تم التوصل إلى حل وسط يقضي باستخدام عوائد هذه الأصول لدعم أوكرانيا، إلا أن روسيا رفضت هذا الطرح بشدة.
وأضاف أن إلغاء تجميد الأصول الروسية قد يكون بادرة حسن نية من واشنطن لإعادة بناء الثقة، وهو ما قد يدفع الدول الأوروبية إلى تبني موقف مماثل، خاصة أنها تعتمد على الولايات المتحدة في مواجهة روسيا، مما يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في هذا الملف.
الضمانات المتبادلة هي الحل
وأكد أيوب أن إنهاء الصراع بين روسيا وحلف الناتو يتطلب ضمانات متبادلة تراعي المصالح الاستراتيجية لكل طرف.
وأشار إلى أن روسيا لا تسعى لتهديد أي دولة أوروبية أو جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، لكنها ترى أن هذه الدول تُستخدم كأدوات ضغط ضدها من قبل الغرب.
العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد الروسي
ولفت أيوب إلى أن العقوبات شكلت عبئًا على الاقتصاد الروسي، لكنها لم تكن كافية لشلّه أو التأثير على تمويل العمليات العسكرية، بل على العكس، تمكنت موسكو من تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى.
كما استمرت في تصدير النفط والغاز حتى إلى الدول الغربية ذاتها، ولكن عبر وسطاء، وهو ما يعكس عدم قدرة الغرب على الاستغناء عن الطاقة الروسية في المستقبل القريب أو المتوسط؛ بسبب ارتفاع أسعار البدائل وتأثيرها على الاقتصاد الأوروبي.
واختتم أيوب حديثه بالتأكيد على أن العقوبات المفروضة على روسيا تظل العقبة الأبرز أمام أي تسوية سياسية. لذا، فإن رفع العقوبات، إلى جانب تقديم ضمانات أمنية متبادلة، قد يكون الحل الأمثل لإعادة الاستقرار إلى الساحة الدولية.