كشف تقرير حديث أنه، بينما يتوجه نحو 30 مليون مواطن في الكاميرون في 12 أكتوبر إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، تبدو نتيجتها محسومة سلفًا لصالح الرئيس المخضرم بول بيا، الذي يقترب من عامه الـ93.
وجاء في التقرير الذي نشرته "فورين بوليسي" أن وراء هذا الفوز المتوقع تلوح فوضى سياسية غير متوقعة، تنذر بمرحلة غير مستقرة في بلد ظل لعقود يوصف بأنه "الاستثناء الهادئ" في وسط إفريقيا المضطرب.
نظام انتخابي تحت السيطرة
فمنذ بداية الحملة الانتخابية، برزت المخالفات كعنوان رئيس للعملية الانتخابية، مثل استغلال موارد الدولة، وتضييق الخناق على المعارضة، والتلاعب المتوقع بالنتائج، وهي وصفة مجرّبة تضمن للحزب الحاكم — الحركة الديمقراطية الشعبية الكاميرونية (CPDM) — الفوز منذ عقود.
وذكرت الصحيفة أن بيا، الذي يحكم البلاد منذ العام 1982، يستعدّ لولاية جديدة ستكون السادسة منذ إدخال التعددية الحزبية العام 1990، رغم تزايد الشكوك حول قدرته على إدارة الدولة، أو حتى البقاء على قيد الحياة حتى نهاية ولايته المقبلة، التي ستنتهي وهو في الـ99 من عمره.
بيا، الذي يظهر نادرًا في العلن ويُعرف بعشقه للإقامة الطويلة في سويسرا، أصبح رمزًا للغياب السياسي، ومنذ سنوات يقضي فترات طويلة في فندق "إنتركونتيننتال جنيف" بداعي العلاج؛ ما جعل الكاميرونيين يتداولون القول إن بلادهم تُدار من الخارج.
وفي العام 2024، اختفى بيا لشهر كامل، لتنتشر شائعات عن وفاته، فيما أعلنت الحكومة أن صحته "قضية أمن قومي"، ومنعت النقاش حولها. وعندما عاد للظهور لاحقًا، كان الجدل حول خلافته قد اشتعل بالفعل داخل الحزب الحاكم.
أزمات داخلية خانقة
ويرى مراقبون أن الأزمات في الكاميرون اليوم تتجاوز المعتاد؛ فالمعلمون في إضرابات متكررة بسبب تأخر رواتبهم، والهوية الوطنية باتت شبه معطّلة بعد فشل الحكومة في إصدار بطاقات جديدة لمئات الآلاف. كما أن الاقتصاد يعاني من ركود، والفقر يتصاعد في بلد غني بالموارد لكنه يعتمد على استيراد الغذاء والسلع الأساسية، وفي الوقت ذاته تتصاعد أعمال العنف من العصابات، وتزداد جرائم قتل النساء، فيما تستمر الحرب في المناطق الناطقة بالإنجليزية بغرب البلاد، وحضور بوكو حرام في الشمال يضاعف التوتر.
وكشفت مصادر مطّلعة أن الحديث عن خلافة بيا ظل محظورًا داخل الحزب الحاكم لعقود؛ فكل من حاول التلميح لذلك وجد نفسه مُبعدًا أو في السجن بتهم غامضة، أما الحكومة والحزب أصبحا فعليًا "عرض رجل واحد". ومع تدهور صحة هذا الرجل، بدأت الدولة تعاني شللًا مؤسسيًا واضحًا، خصوصًا وأنه منذ العام 2021 توفي 4 وزراء ولم تُعيَّن بدائل لهم، فيما تتعطل قرارات الدولة بسبب صراعات النفوذ بين كبار المسؤولين المتنافسين على مرحلة ما بعد بيا.
انهيار التحالفات القديمة
ويعتقد الخبراء أن التحالف الذي أبقى بيا في الحكم لعقود بدأ يتفكك اليوم؛ فاثنان من أبرز حلفائه القدامى في الشمال — بيلو بوبا مايگاري وعيسى تشيروما — أعلنا ترشحهما للرئاسة، ما يعني عمليًا فقدان الحزب الحاكم لقاعدته الانتخابية في تلك المنطقة. ورغم أن بيا سيظل المرشح الأوفر حظًا، فإن الانقسامات داخل الحزب غير مسبوقة، بل وصل الأمر إلى أن أحد أعضاء الحزب رفع دعوى قانونية ضد بيا نفسه مطالبًا بتجديد القيادة، في خطوة لم يشهدها الحزب من قبل.
ورغم ضعف النظام، تظل المعارضة عاجزة عن استغلال اللحظة، خصوصًا أن المرشح الأبرز، موريس كامتو، الذي نافس بيا في انتخابات 2018، استُبعد من السباق بعد رفض لجنة الانتخابات ترشحه. كما أن القيود المفروضة على التجمعات والملاحقات الأمنية تقيد حركة المرشحين الآخرين، فيما يعجزون عن الاتفاق على مرشح موحد، لتبقى النتيجة شبه مؤكدة: فوز جديد لبيا، لكن بثمن باهظ على المدى البعيد.
ويتوقع مراقبون أنه في حال وفاة بيا خلال ولايته الجديدة، فإن الدستور ينص على أن رئيس مجلس الشيوخ يتولى الحكم مؤقتًا إلى حين إجراء انتخابات خلال 120 يومًا. لكن رئيس المجلس، مارسيل نيات نجيفنجي، يبلغ من العمر 90 عامًا؛ ما يجعل هذا السيناريو نفسه غير واقعي.
وفي ظل التوترات المتصاعدة بين الشمال والجنوب، ومع تفكك التحالفات الإقليمية، يبدو أن الكاميرون تتجه نحو أزمة خلافة قد تكون الأخطر منذ الاستقلال.
استقرار هش ومصير غامض
وقد يحقق بيا "انتصارًا" جديدًا في صناديق الاقتراع، لكن البلاد تبدو على حافة انفجار سياسي مؤجل؛ فالفوز لن يجيب عن السؤال الأكبر الذي يتهرب منه الجميع: من سيحكم الكاميرون بعد بول بيا؟
وحتى ذلك الحين، ستظل الدولة معلقة بين شرعية انتخابية شكلية وواقع سياسي هش، يخفي خلف واجهته الهادئة خليطًا من الأزمات التي تنتظر لحظة الانفجار.