تباينت ردود الأفعال في روسيا عقب الهجوم الأوكراني الذي استهدف قاذفات استراتيجية داخل قواعد عسكرية في العمق الروسي، وألحق أضرارًا كبيرة بأسطول القاذفات النووية الروسية من التجاهل الإعلامي إلى الدعوات للانتقام والثأر من كييف.
ويمثل الهجوم الذي أطلقت عليه أوكرانيا "شبكة العنكبوت" رسالة ضغط جديدة على الكرملين، وسط تساؤلات عن مدى التأثير الذي سيحدثه في حسابات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوضية.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير نشرته، إن هجوم "شبكة العنكبوت" يأتي عشية جولة جديدة من محادثات السلام التي تستضيفها إسطنبول، كرسالة تذكير إلى موسكو بأن كلفة استمرار الحرب لا تزال باهظة، حتى مع تعثر التقدم الأوكراني على الجبهات.
وقال جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "إن الأمر كله يتعلق بمحاولة إقناع الروس - ما إذا كان ذلك سينجح، لا أعلم - بأن هناك سببًا الآن يدعو موسكو إلى التفاوض بجدية".
وأضاف أكتون: "إنهاء الحروب أمرٌ صعب، ويعود ذلك جزئيًّا إلى أن الطرف الذي يعتقد أنه منتصر غالبًا ما لا يجد حافزًا كافيًا للتفاوض بجدية أو تقديم أي تنازلات".
وتابع : "إذا كان الطرف الذي يحقق نتائج أفضل يعتقد أن الحرب ستزداد تكلفةً في المستقبل، فسيكون لديه حافزٌ أكبر بكثير".
وبينت الصحيفة الأمريكية، أن العملية الأوكرانية تُضعف إلى حدٍّ ما قدرة روسيا على مهاجمة أوكرانيا، إذ أسقطت بعض الطائرات التي كانت القوات الروسية تستخدمها لإطلاق صواريخ بعيدة المدى على أهداف أوكرانية.
على نطاق أوسع، بدا أن الهجوم الأوكراني يهدف إلى إثارة مخاوف الكرملين بشأن الأهداف الضعيفة الأخرى في قلب روسيا، والتي قد تُلحق كييف بها ضررًا في المستقبل.
وعلق أكتون على تلك الأهداف بالقول: "يوجد العديد من هذه الأهداف، بما في ذلك مصانع الإمدادات العسكرية ومنشآت التدريب العسكري. حتى أسطول روسيا المكشوف من الغواصات النووية يُمثل هدفًا محتملًا، مع أن موسكو لم تستخدم هذه السفن في الحرب، ومهاجمتها سيُمثل تصعيدًا خطيرًا للغاية إن وقع".
وأضاف أكتون: "هناك الكثير من الأهداف يمكن لأوكرانيا أن تضربها، وسيكون من الصعب جدًّا على الروس حمايتها.. لا يمكن حماية كل شيء".
وقالت "نيويورك تايمز"، إن "قدرة روسيا على إنتاج مثل هذه القاذفات محدودة؛ ما يعني أن الهجوم ربما يكون أضرّ بشكل دائم بأسطولها، الذي كان منهكًا أصلًا بسبب الحرب وعملياته الاعتيادية للردع النووي. كما أن هذه الطائرات باهظة الثمن، إذ يُرجّح أن تُلحق الضربات الأوكرانية أضرارًا بمليارات الدولارات لكن الهجوم لا يغير بشكل كبير القدرات النووية لروسيا".
وسيظل الجيش الروسي بحاجة إلى إعادة تقييم مدى ضعف منصاته النووية المتبقية في مواجهة هجمات الطائرات الأوكرانية المسيرة في المستقبل، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلًا ومكلفة، وفقًا للصحيفة.
وقالت الصحيفة، إن الهجوم الأوكراني، الذي أطلقت عليه كييف اسم "عملية شبكة العنكبوت"، هو جزء من حملة متواصلة ومتصاعدة لنقل الحرب إلى قلب روسيا في محاولة للتأثير في حسابات الكرملين.
نفذت أوكرانيا اغتيالاتٍ بارزة في مدنٍ روسية، وألحقت دمارًا هائلًا بمنشآت إنتاج النفط الروسية ومنشآت حيوية، ويرى المحللون أنه كلما ازدادت معاناة أوكرانيا في ساحة المعركة، زاد احتمال لجوء كييف إلى مثل هذه الهجمات.
ويعد الهجوم الأوكراني أحدث مؤشر على الثورة التي أحدثتها كييف في حرب المسيرات وهو الجهد الذي دعمته إدارة جو بايدن بضخ 1.5 مليار دولار في إنتاجها أواخر عام 2024 من خلال برنامج سري.
ولم يتضح على الفور ما إذا كانت أوكرانيا استخدمت تكنولوجيا الطائرات دون طيار الممولة من واشنطن في العملية.
وقال ديفيد شيمر، الذي شغل منصب مدير شؤون أوكرانيا في مجلس الأمن القومي خلال إدارة بايدن وساعد على الإشراف على الجهود الأمريكية، إن العملية أظهرت كيف لا يزال الأوكرانيون يتمتعون بالنفوذ، رغم أن الرئيس ترامب أخبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في اجتماع سيئ السمعة في المكتب البيضاوي في وقت سابق من هذا العام، أنه "لا يملك الأوراق".
وأضاف شيمر: "لديهم أوراق ضغط بالطبع. إنهم يحاولون الضغط على روسيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات. إذا كان هدف الولايات المتحدة هو تحقيق وقف إطلاق النار في أوكرانيا، فإن السبيل إلى ذلك هو مساعدة أوكرانيا على الضغط على روسيا من خلال زيادة المساعدات العسكرية وزيادة العقوبات".
وفي خضم التنافس الأخير على محادثات السلام، صعّد الجيش الروسي أيضًا من هجماته، وواصل هجومًا صيفيًّا لكسب المزيد من الأراضي في أوكرانيا، ونفذ بعضًا من أكبر الهجمات بطائرات دون طيار في الحرب التي دخلت الآن عامها الرابع.
قللت وسائل الإعلام الرسمية الروسية، على نطاق واسع، من أهمية العملية الأوكرانية، متجنبةً ذكر حجم الأضرار التي لحقت بأسطول القاذفات النووية. واتهم مدونون عسكريون روس مسؤولين في القوة النووية الروسية بالتقصير في حماية أصول حيوية، في حين أججوا الرغبة في الانتقام، وأثاروا احتمال انسحاب موسكو من محادثات السلام في إسطنبول.
وبدا أن دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، يرد على هؤلاء المتشددين في تعليق نشره على تيليجرام الثلاثاء، واصفًا المفاوضات في إسطنبول، حيث قدم الوفد الروسي قائمة من المطالب الصعبة، بأنها محادثات حول شروط النصر الروسي والاستسلام الأوكراني.
وقال ميدفيديف إن "الانتقام آتٍ (...) كل ما ينبغي أن ينفجر سينفجر حتمًا. وأولئك الذين ينبغي إبادتهم سيختفون".