نائب المندوب الأمريكي بمجلس الأمن: وزير الخارجية ماركو روبيو قد حلا عبر هدنة إنسانية بالسودان

logo
العالم

الصفقة المؤجلة.. "ميركوسور" يكشف تردد أوروبا وانقساماتها

المستشار الألماني والرئيس الفرنسي ورئيسة المفوضية الأوروبيةالمصدر: (أ ف ب)

بعد ربع قرن من المفاوضات المتقطعة، كان من المفترض أن يرى اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي وتكتل "ميركوسور" النور بوصفه أحد أضخم الصفقات التجارية في العالم، غير أن الإعلان عن تأجيله، مؤخراً، أثار أسئلة حول تردد أوروبا ومدى قدرتها على اتخاذ قرارات مشتركة.

وميركوسور هو تكتل اقتصادي إقليمي تأسس في أمريكا الجنوبية عام 1991، ويضم البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وباراغواي، وهو اختصار لعبارة باللغة الإسبانية (Mercado Común del Sur) أي (السوق المشتركة للجنوب). 

أخبار ذات علاقة

اتفاقية ميركوسور

فجرت الخلاف بين باريس وبروكسل.. ميركوسور عنوان أزمة جديدة بقلب الاتحاد الأوروبي

وتنبع أهمية "ميركوسور" من كونه يربط بين كتلتين اقتصاديتين تضمان معا نحو 780 مليون نسمة، وناتجا محليا إجماليا يتجاوز 22 تريليون دولار، ويخفف من الاعتماد التجاري الأوروبي على الولايات المتحدة والصين.

ويهدف الاتفاق المنتظر إلى خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على حزمة واسعة من السلع، فالاتحاد الأوروبي سيحصل بموجبه على فرص أوسع لتصدير السيارات والآلات والمعدات الصناعية والمنتجات الكيماوية إلى أسواق أمريكا الجنوبية، لا سيما البرازيل والأرجنتين، وهما من أكبر الاقتصادات الناشئة وسريعة النمو.

وفي المقابل، سيسمح الاتفاق بدخول منتجات زراعية أمريكية جنوبية إلى السوق الأوروبية بشروط تفضيلية، تشمل اللحوم والسكر والأرز والعسل وفول الصويا. 

وبحسب تقديرات المفوضية الأوروبية، فقد كان من المتوقع أن يحقق الاتفاق عوائد جمركية تصل إلى نحو خمسة مليارات دولار سنويا للشركات الأوروبية.

عوائق

اصطدمت هذه المكاسب الاقتصادية الطموحة بمخاوف متزايدة داخل التكتل الأوروبي، ولا سيما القطاع الزراعي عبر تدفق منتجات زراعية أقل كلفة، ما يعني وفق خبراء اقتصاديين "منافسة غير عادلة".

وهذا ما يفسر، وفقا لخبراء، احتجاجات مزارعين خصوصا في فرنسا وإيطاليا وبولندا، الذين يرون أن الاتفاق سيؤدي إلى تخفيض الأسعار، ويهدد نماذج الزراعة المحلية التي تعتمد بدرجة كبيرة على الدعم الأوروبي.

ويدعم الرافضون للاتفاق موقفهم بحجج تتعلق باستخدام المبيدات، وحماية الغابات، ومعايير الاستدامة، إذ يرون أن المنتجات القادمة من دول "ميركوسور" لا تخضع للقيود الصارمة نفسها المفروضة داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يهدد السياسات البيئية في القارة.

وفي ظل هذه الآراء المتباينة، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، نهاية الأسبوع الفائت، إرجاء توقيع الاتفاق إلى يناير/كانون الثاني المقبل، دون تحديد موعد دقيق. 

ووصف خبراء هذا التأجيل بأنه "انتكاسة" جديدة لأوروبا، تعكس عجزها عن تجاوز خلافاتها الداخلية والتوصل إلى قرار موحد في ملف بالغ الأهمية.

وبدا الانقسام الأوروبي واضحا، فبينما تؤيد دول صناعية كبرى، على رأسها ألمانيا وإسبانيا وهولندا، المضي قدما في توقيع الاتفاق، لقناعتها بالفوائد التي سيحققها لقطاعاتها التصديرية، تبدي دول أخرى، ولا سيما فرنسا وإيطاليا وبولندا، اعتراضات على صيغته الحالية. 

وتشير تقارير إلى أن روما لعبت دورا محوريا في تأجيل التوقيع، مطالبة بمزيد من الوقت للحصول على ضمانات ومكاسب داخلية، في حين أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "الظروف غير مواتية لتوقيع هذا الاتفاق"، في موقف فُسّر على نطاق واسع بأنه استجابة لضغوط المزارعين. 

أخبار ذات علاقة

إيمانويل ماكرون

ماكرون يؤكد رفض فرنسا توقيع اتفاقية "ميركوسور" بصيغتها الحالية

قراءة مجتزأة

ويرى خبراء أن هذه القراءة الأوروبية المجتزأة والضيقة تكشف عن قصور في رؤية الأهمية الاستراتيجية للاتفاق، فالاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بدرجة كبيرة على التجارة مع الولايات المتحدة والصين، بات في حاجة ملحّة إلى تنويع شراكاته الاقتصادية وفتح أسواق تصدير جديدة. 

وتزداد أهمية هذا العامل في ظل تصاعد التوترات التجارية بين بروكسل وواشنطن، إذ لجأ الطرفان إلى فرض رسوم جمركية متبادلة، فيما تنتهج أمريكا في ظل إدارة ترامب نهجا أحاديا، دون مراعاة متطلبات الشراكة التقليدية عبر الأطلسي.

وفي الوقت ذاته، باتت الصين تصنف رسميا في وثائق الاتحاد الأوروبي كمنافس وخصم، في ضوء الخلافات المتزايدة وخصوصا في ملف "المعادن النادرة" التي تحتكرها الصين، والتي تعد عنصرا حيويا في الصناعات الأوروبية.

وعلاوة على ذلك، يعاني الاتحاد الأوروبي من اختلال واضح في الميزان التجاري مع بكين، يميل لصالح الأخيرة، وهو ما يعزز الشعور الأوروبي بالحاجة إلى بدائل.

في ضوء ذلك، كان من المؤمل أن يشكل اتفاق ميركوسور ركنا أساسيا في مساعي الاتحاد الأوروبي لبناء علاقات اقتصادية وهامش مناورة أوسع خارج الفلك الأمريكي–الصيني، لكن الاتفاق تحوّل عمليا إلى عامل انقسام بين دول تتبنى رؤية اقتصادية بعيدة المدى، وأخرى تقودها حسابات واعتبارات آنية قصيرة الأجل.

وعلى المستوى السياسي، كشف تأجيل الاتفاق عن صورة أوروبية مرتبكة في الخارج، وهو ما انعكس بوضوح في تصريحات الرئيس البرازيلي الذي حذّر من أن "الوقت آن (للتوقيع) أو لن يحين أبدًا"، في إشارة إلى تنامي الإحباط في أمريكا الجنوبية من بطء القرار الأوروبي.

ويعرب خبراء عن الخشية من أن يؤدي استمرار التردد الأوروبي إلى تقويض مصداقية بروكسل كشريك تجاري موثوق، لا سيما في أعين دول الجنوب العالمي التي تراقب قدرة الاتحاد على الالتزام بتعهداته.

كما يحذر خبراء من أن هذا التأجيل المتكرر يوجه رسائل سلبية إلى شركاء محتملين آخرين، مثل الهند ودول جنوب شرق آسيا، ويدفع الدول النامية إلى البحث عن بدائل أكثر حسما في اتخاذ القرارات.

وبالفعل، بدأت دول ميركوسور في تعزيز علاقاتها مع شركاء آخرين مثل كندا واليابان وبريطانيا، ما يعني أن فرصة "ميركوسور" أمام الاتحاد الأوروبي لن تستمر دون سقف زمني محدد.

أما فيما يتعلق بالدور الأمريكي، ينفي خبراء وجود مؤشرات على تدخل مباشر من واشنطن لإفشال الاتفاق، غير أن السياق العام يوحي بأن الولايات المتحدة ليست متضررة من تعثره، بل على العكس فإن البيت الأبيض يتلقى أنباء التأجيل بارتياح ورضا.

ويفسر خبراء ذلك بأن استمرار اعتماد أوروبا التجاري على واشنطن، وبقاء أمريكا اللاتينية ضمن دائرة النفوذ الأمريكي التقليدي، يخدمان المصالح الأمريكية، ومن البديهي أن توقيع اتفاق ميركوسور سيوطد الاستقلالية التجارية للتكتلين، ويبعدهما، بهذا القدر أو ذاك، عن الفضاء التجاري الأمريكي.

ويلفت الخبراء إلى مفارقة أخيرة، تتمثل في أن الاتحاد الأوروبي يمتلك صناعات ذات جودة عالية وسوقا ضخما، وقوة تفاوضية مؤثرة، وشركاء مستعدين للتعاون، لكنه يفتقر إلى عنصر حاسم، وهو وحدة الكلمة والموقف. 

أخبار ذات علاقة

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين

إرجاء توقيع اتفاق التجارة بين الاتحاد الأوروبي و"ميركوسور"

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC