كشفت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، عن أعمق شرخ تشهده حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً - ماغا" منذ صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السياسي.
وبيّنت أن المواجهة العلنية بين الرئيس ترامب ومارجوري تايلور غرين، إحدى أكثر شخصيات الحركة تشدداً وولاءً لترامب سابقاً، لم تعد مجرد خلاف شخصي أو سجال إعلامي، بل باتت تمسّ جوهر الخطاب والسياسات التي تقوم عليها "ماغا"، مما يثير تساؤلات عن تراجع قوة ترامب داخل حزبه، وعن مستقبل الحركة ذاتها.
ومنذ سنوات، كانت غرين تُعد من صقور "ماغا"، إلا أن تحولها الأخير إلى معارضة شرسة للرئيس قلب المشهد السياسي رأساً على عقب، ووصل إلى تبادل الإهانات والاتهامات علناً.
وبينما يطلق ترامب على مارجوري صفة "الخائنة"، تتهمه بتعريض حياتها للخطر، وتعلن انسحابها من الكونغرس بعبارة لافتة، هي: "أرفض أن أكون زوجة معنّفة تنتظر تحسّن الأمور من تلقاء نفسها" وفق تعبيرها.
وأشارت الصيحفة إلى أن الكسر العلني لذلك الولاء المطلق يعبّر عن تصدّعات تتجاوز الأشخاص إلى معارك حول جوهر "ماغا" وحدود سلطة زعيمها، مؤكدة أن أسبابا "سياسية لا شخصية" هي محور الخلاف.
وبيّنت أن القضية التي أشعلت "شرارة الخلافات" كانت ملفّات المجرم الجنسي المتهم بالاتجار بالفتيات القاصرات جيفري إبستين، التي ظلّت محوراً ساخناً داخل الأوساط الجمهورية، قبل الانتخابات، وكانت الحركة متفقة على ضرورة نشر الملفات.
لكن مع ظهور مؤشرات على أن اسم ترامب قد يرد فيها، حاول المقربون منه عرقلة أي خطوة نحو النشر، وبلغ التوتر ذروته حين كشفت "وول ستريت جورنال" عن بطاقة تهنئة "مريبة" قيل إن ترامب وجّهها لإبستين، وهو ما وصفه الرئيس بـ"المزوّر" دون تقديم تفسير.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن موقف ترامب من الملف كان مربكاً ومتناقضاً، فقد حاول البيت الأبيض الضغط على النواب الجمهوريين لمنع التصويت على نشر الوثائق، غير أن غرين ومعها مجموعة صغيرة من المشرعين رفضوا الرضوخ.
وأعربت غرين ومجموعتها أن "واجبهم تجاه الضحايا" يقتضي كشف الحقيقة، ومع تمسّكهم بموقفهم، اضطر الرئيس ترامب في النهاية إلى التراجع ودعم النشر، وهي خطوة وصفتها "إندبندنت" بهزيمة سياسية واضحة، لأن الرئيس كان بوسعه نشر الملفات في أي وقت دون الرجوع للكونغرس.
وأوضحت "إندبندنت" أن الغضب داخل الحركة لا يتعلق بملف إبستين فقط، بل يمتدّ إلى الاقتصاد، فغرين وآخرون يرفضون رواية ترامب بشأن "قوة الاقتصاد الأمريكي" و"التريليونات المتدفقة من الرسوم الجمركية".
واعتبروا أن أزمة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة واقع لا يمكن إنكاره ولا يمكن اختزاله في اتهامات ضد الديمقراطيين، هذا التحوّل يعني أن خطاب ترامب الاقتصادي لم يعد محلّ قبول حتى داخل معسكره.
وتتعمق الأزمة أكثر مع الجدل الذي أثارته مقابلة بين تاكر كارلسون والنازي الجديد نيك فوينتس، والتي وُجّهت فيها انتقادات مباشرة لإدارة ترامب بأنها "قريبة أكثر من اللازم من إسرائيل" وأنها تتدخل في ملفات خارجية، مثل أزمة مزارع اللحوم في الأرجنتين، رغم تضرّر المزارعين الأمريكيين من سياسته الجمركية. هذه الأسئلة تعيد فتح نقاش داخلي حول معنى "أمريكا أولاً" وهل ما زال ترامب يجسد هذا المبدأ.
وترصد "إندبندنت" أن تحركات بعض الشخصيات الجمهورية تشي بأنها تستعد لمرحلة ما بعد ترامب، ولبروز مرشح جديد يقود الحزب في 2028، وهذا وحده، بحسب التقرير، كفيل بإضعاف نفوذ الرئيس الحالي بسرعة.
وحذرت الصحيفة من التسرّع في افتراض نهاية نفوذ ترامب، فالواقعة المتعلقة بالتصويت على نشر ملفات إبستين تعكس استمرار سطوته، فقبل أن يعلن دعمه للنشر، كان 215 نائباً جمهورياً معه في عدم الإفراج عن الوثائق.
لكن ما إن غيّر موقفه حتى صوّت جميعهم تقريباً لصالح النشر، باستثناء نائب واحد فقط. ما يعني أن الولاء له ما زال شاملاً إلى حدّ يصفه التقرير بأنه "مُذلّ سياسياً".
ورأت "إندبندنت" أن ترامب قد يكون أضعف مما كان، لكنه لا يزال يمسك بمفاصل القوة داخل الحزب، أما الجمهوريون، رغم كل العواصف، فلا يزالون يبحثون عن شجاعة سياسية لم تظهر بعد، وفق تعبيرها.