logo
العالم

قد يقلب معادلة الناتو وأوكرانيا.. بند في خطة ترامب يعيد "ترسيم خطوط النفوذ"

«تحييد بالقانون وإغلاق بالميثاق».. هل يقلب بند واحد في خطة ترامب معادلة الناتو
أعلام أوكرانيا والاتحاد الأوروبيالمصدر: (أ ف ب)

في واحدة من أكثر نقاط خطة ترامب للسلام في أوكرانيا إثارة للجدل، يبرز بند غير مسبوق يقوم على إعادة ترسيم خطوط النفوذ في القارة الأوروبية عبر آلية قانونية مزدوجة، تُفرض على كييف كما تُقيد حلف الناتو نفسه.

خطة ترامب، التي كشف عنها مؤخرا وتتضمن 28 بندًا أعدّها مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف بمشاركة وزير الخارجية ماركو روبيو وجاريد كوشنر، تقدم تصورًا جديدًا يقوم على تثبيت "حياد دستوري" دائم لأوكرانيا، مقابل اعتراف مؤسسي من الناتو بأن أبوابه ستُغلق أمام كييف نهائيًا.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

"يمكن أن تكون أساساً لحل نهائي".. أول تعليق من بوتين على خطة ترامب لأوكرانيا

البند السابع من الخطة يضع جوهر هذه المعادلة، ويلزم أوكرانيا بتضمين دستورها بندًا يؤكد أنها لن تنضم إلى الناتو، ويوافق الحلف على إدراج نص في نظامه الأساسي يمنع قبولها في المستقبل.

وفقًا للمراقبين، يعيد هذا البند تعريف النقطة التي اشتعل منها الصراع، بعد سنوات كان فيها حلم الانضمام إلى الحلف أحد أهم روافع السياسة الأوكرانية، ومصدرًا رئيسًا لمخاوف موسكو.

وفق هذا الطرح، فإن أوكرانيا ستكون مطالبة بإجراء تعديل دستوري غير قابل للتراجع بسهولة، يجعل حيادها خيارًا ملزمًا لا يتغير بتغير الحكومات أو المزاج السياسي. 

وهو تحول يعني التخلي عن هدف استراتيجي لازم كييف منذ الاستقلال، لكنه يقابله حصولها على ضمانة أمنية غربية لمدة 10 سنوات، تشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو، بحيث يُعامل أي هجوم روسي كبير على أوكرانيا بوصفه اعتداءً على المجتمع عبر الأطلسي بأكمله.

بهذه المعادلة، يرى الخبراء أن أحد أكثر بنود خطة ترامب حساسية، هو ذلك الذي يفرض تضمين دستور أوكرانيا نصًا يمنعها من الانضمام إلى الناتو، مقابل تضمين الحلف بندًا في نظامه الأساسي يلتزم بعدم قبول عضوية كييف في المستقبل.

وأوضح الخبراء، أن هذا "القيد المزدوج" يشكل محاولة لإغلاق ملف التوسع نهائيًا وخلق نقطة تجميد قانونية تمنع إعادة فتحه مع كل تغير سياسي، ويهدف إلى تثبيت صيغة "تحييد استراتيجي" طويل الأجل، تمنح موسكو ضمانات بأن الناتو لن يقترب من حدودها.

وقال الباحث الاستراتيجي، هشام معتضد إن البند المتعلق بتحييد أوكرانيا دستوريًا وإجرائيًا عن مسار الانضمام إلى الناتو يُعد من أكثر النقاط حساسية في البنية السياسية لخطة ترامب، موضحًا أن الهدف منه هو وضع سقف استراتيجي دائم يمنع انزلاق أوروبا نحو مواجهة طويلة. 

وأكد في تصريحات خاصة لـ "إرم نيوز" أن هذا الشرط لا يأتي كتسوية ظرفية أو ترتيب تقني، بل يُقدَّم باعتباره «قيدًا تأسيسيًا» يتجاوز تبدلات المزاج السياسي في كييف وديناميات الانتخابات داخل الحلف.

أخبار ذات علاقة

آثار الهجوم الروسي على تيرنوبل في أوكرانيا

"أخطر اللحظات".. أوكرانيا تقبل مناقشة بنود ترامب بـ"خطوط حمراء"

وأشار معتضد إلى أن دمج هذا القيد داخل الدستور الأوكراني وفي النظام الأساسي للحلف يمثل محاولة مزدوجة لخلق بيئة استقرار مستندة إلى قواعد قانونية، وليس إلى توازنات القوة فقط. 

ولفت إلى أن الغرض هو حماية المسار الداخلي في أوكرانيا من أي إعادة فتح لملف الانضمام مع كل دورة سياسية، وفي الوقت نفسه تقييد بنية الناتو المؤسسية وتجميد أحد خطوط التوسع التي تُعد الأكثر استفزازًا لروسيا.

وبين الباحث الاستراتيجي، أن رسالة هذا البند تتجاوز طرفي الصراع لتطال المنظومة الأوروبية بأكملها، إذ يجد الناتو نفسه أمام أول نص مكتوب يضع حدود لتوسّعه منذ انتهت الحرب الباردة، وهو ما يعني عمليًا وصول موجة التوسع نحو الشرق إلى سقفها الطبيعي.

وأضاف أن هذا الترتيب يعكس إرادة أمريكية لحسم ملف ظل منذ عام 2008 نقطة اشتباك بين تطلعات كييف ومخاوف موسكو، عبر هندسة جديدة للبيئة الأمنية الأوروبية، خاصة أن الشرط الدستوري يمنع أوكرانيا من استخدام ورقة الانضمام كورقة تفاوض، وفي المقابل يطمئن موسكو بأن الناتو لن يستغل أي تغيير سياسي في كييف لإحياء سيناريوهات توسعية جديدة.

ولفت الباحث إلى أن هذا الترتيب يخلق "نقطة تجميد" قانونية تمنع الخروقات المستقبلية، لكنه يفتح في الوقت نفسه الباب لصيغة "تحييد استراتيجي" شبيهة بالنموذج الفنلندي، وإن اختلف السياق.

وأوضح أن تحييد أوكرانيا في هذا التصور ليس مجرد خطوة كلاسيكية، بل جزء من هندسة أمنية أوسع تشمل ضمانات أمريكية، وقوات أوكرانية محددة بـ600 ألف جندي، ومنع نشر قوات للناتو على الأراضي الأوكرانية.

وأضاف معتضد أن هذا البند يحقق مصلحة مزدوجة من زاوية الردع، فهو يمنع روسيا من استخدام ملف الناتو كذريعة لعمل عسكري جديد، ويحول دون ولادة التزامات دفاعية تلقائية قد تجر الولايات المتحدة والحلف إلى مواجهة مباشرة.

ومن جانبه، أكد د. محمد عثمان، خبير العلاقات الدولية، أن الأزمة الأوكرانية لا يمكن قراءتها بمعزل عن التطورات الدستورية والسياسية التي سبقت اندلاع الحرب، متذكرًا أن أوكرانيا كانت منذ 1991 دولة حياد بنص الدستور، وهو ما منعها من الانضمام إلى أي تحالف عسكري. 

أخبار ذات علاقة

الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب.. تنازل مُذل لأوكرانيا أم فرصة نادرة؟

الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب.. تنازل مذل لأوكرانيا أم فرصة نادرة؟

وأشار في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن هذا الوضع تغير بصورة جذرية عام 2019 بعد قيام البرلمان بدفع مباشر من إدارة بوروشنكو بإلغاء المادة الخاصة بالحياد، وهي خطوة اعتبرتها موسكو آنذاك تطورًا "استفزازيًا" يمس أمنها القومي.

وأشار د. عثمان إلى أن وصول فولوديمير زيلينسكي إلى السلطة في العام نفسه لم يغير الاتجاه، بل استكمله عبر إعلان نية بلاده الانضمام إلى الناتو، وهو ما فاقم منسوب التوتر في المنطقة. 

وبين خبير العلاقات الدولية، أن خطة ترامب جاءت لمعالجة جذور الأزمة عبر إعادة ترسيخ مبدأ حياد أوكرانيا دستوريًا، إلى جانب تعهد رسمي من حلف الناتو بعدم قبول عضويتها، ما يعني إعادة تشكيل الإطار القانوني والسياسي الذي أدى إلى الانفجار العسكري.

وأوضح د. محمد عثمان، أن بعضهم يرى الخطة مجحفة بحق كييف، مشددًا على أن هذا الانطباع غير دقيق، لأن المبادرة تتضمن ضمانات أمريكية مكتوبة لصالح أوكرانيا تنص على إعادة فرض العقوبات على روسيا بكامل قوتها، واتخاذ رد فعل عسكري منسق في حال تعرّضت لهجوم جديد.

وخلص د. عثمان إلى أن هذه الضمانات تمنح كييف مستوى أعلى من الحماية وتقلل من احتمالات تكرار الهجوم الروسي، في حال نجحت المبادرة في إنهاء الحرب وفتح مسار استقرار طويل الأمد.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC