مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان
جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأكيده إمكانية التوصل إلى تسوية للحرب الأوكرانية في وقت قريب، مؤكدًا أن النزاع الدائر لم يكن ليقع أصلًا لو كان في البيت الأبيض قبل عامين، وهو تصريح أثار جدلا واسعًا داخل الدوائر السياسية الغربية.
ووصف الرئيس الأمريكي، الحرب الروسية الأوكرانية بأنها "حرب جو بايدن"، معتبرًا أنها تمثل نموذجًا لفشل الإدارة السابقة في إدارة الأزمات الدولية، ومشيرًا إلى أنه يسعى لإنهاء ما سماه أكثر الحروب البرية دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وبحسب خبراء، فإن هذا التصريح ليس مجرد خطاب دعائي، بل يعكس جدية وتوجهًا سياسيًا جديدًا يتبناه ترامب منذ عودته إلى السلطة، يقوم على إعادة صياغة الدور الأمريكي في الصراع الأوكراني بما يتجاوز الدعم العسكري إلى البحث عن صفقة شاملة تُنهي الحرب على أسس جديدة.
وفي تصريح سابق، كشف الرئيس الأمريكي أن بلاده لم تعد تدرس نقل صواريخ "توماهوك" بعيدة المدى إلى كييف، مشيرًا إلى أن روسيا "ستأخذ شيئًا ما" في نهاية المطاف، في إشارة غير مباشرة إلى إمكانية قبول واشنطن بفكرة تبادل الأراضي التي طرحها ترامب صراحة قبل أشهر ووصفها بأنها "حل عادل وسهل".
ومنذ قمة ألاسكا التي جمعت ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أغسطس الماضي، بدأت ملامح هذا التحول تظهر بوضوح، فخلافًا لمرحلة بايدن، لم يسع ترامب إلى فرض عقوبات إضافية على موسكو، بل اكتفى بالإشادة بنتائج اللقاء واصفًا إياه بـ"الرائع".
كما حدد ترامب موعدًا نهائيًا هو الثامن من أغسطس للتوصل إلى اتفاق بين موسكو وكييف، دون أن يلوح باستخدام أدوات الضغط التقليدية التي اعتمدتها واشنطن في السنوات السابقة.
وهذه المقاربة، وإن بدت أكثر براغماتية، فإنها تثير مخاوف في أوروبا من أن تؤدي إلى تثبيت واقع ميداني يمنح روسيا اليد العليا.
وتتعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع الأزمة عبر ما يمكن وصفه بنهج "الصفقة الكبرى"، الذي يسعى إلى تسوية شاملة بدلاً من وقف مؤقت لإطلاق النار.
وفي هذا السياق، برزت مقاربة جديدة تقوم على تجميد الصراع عند خطوط التماس الحالية، مع تقليص حدة العمليات الميدانية دون التنازل رسميًا عن أي أراضٍ وهي صيغة يُنظر إليها باعتبارها الأقرب للواقع في ظل الانهاك العسكري للطرفين.
ولكن الملف الأوكراني في حسابات ترامب لا يتوقف عند الجغرافيا والسياسة فحسب، بل يمتد إلى الاقتصاد العالمي، فوفقًا لمراكز دراسات أمريكية، يعتزم الرئيس ربط أي تسوية مستقبلية بإعادة صياغة الدور الاقتصادي لأوكرانيا داخل النظام الغربي، بحيث تصبح ضمن شبكة البنية التحتية والمعادن الحيوية التي تعزز الازدهار الأمريكي وتحدّ من النفوذ الروسي والصيني في آن واحد.
وإلى جانب ذلك، استعادت الدبلوماسية الأمريكية الطابع الشخصي، إذ يتولى ترامب بنفسه إدارة الاتصالات مع موسكو متجاوزًا الأدوار التقليدية لوزارة الخارجية ومستشاري الأمن القومي.
ومع هذا التحول الجريء في خطاب ترامب، يبدو أن الإدارة الأمريكية تدخل مرحلة جديدة من الواقعية السياسية، تتعامل فيها مع الحرب الأوكرانية باعتبارها ورقة تفاوض لا معركة مبدأ.
وبينما يرى مؤيدوه أن ذلك قد يفتح باب السلام بعد 3 سنوات من الدم والدمار، يخشى خصومه من أن يقود هذا النهج إلى إضعاف أوكرانيا وتكريس واقع روسي جديد على حدود أوروبا.
يقول المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور توفيق حميد، إن المشهد الراهن لا يعكس أي تغيّر جوهري في الرؤية الأمريكية تجاه تسوية الملف الأوكراني مع روسيا، موضحًا أن الأمر يبدو متروكًا للوقت، حيث تُمارس خلاله ضغوط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للقبول ببعض الشروط الروسية.
وأشار لـ"إرم نيوز" إلى أن أمريكا منشغلة بعدد كبير من الملفات الداخلية والخارجية، وهو ما قد يدفعها إلى دعم تسوية تُجبر زيلينسكي على القبول بالشروط الروسية، الأمر الذي قد يُسهم في إنهاء الحرب الدائرة.
وأضاف المحلل السياسي أن هناك احتمالًا آخر يتمثل في أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام أدواتها الاقتصادية، من خلال رفع الرسوم الجمركية على الدول التي تتعامل تجاريًا مع روسيا، ما يشكل ضغط قوي على موسكو ويؤثر سلبًا في اقتصادها، وهو ما قد يدفعها إلى التوصل لتسوية مع أوكرانيا ووقف الحرب عند خطوط التماس الحالية.
ولفت إلى أن أمريكا تتجنب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا لكنها تعتمد أساليب الضغط الاقتصادي مثل فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين لموسكو، خاصة الدول الكبرى كالصين والهند اللتين تعتمدان على النفط الروسي، إلى جانب العقوبات المباشرة المفروضة على شركات الطاقة الروسية.
وأوضح حميد أن أي توتر جديد بين الجانبين كما حدث أخيرًا يدفع موسكو إلى استعراض قوتها النووية، مشيرًا إلى إعلانها أخيرًا عن إطلاق صواريخ عابرة للقارات تعمل بالطاقة النووية من طراز «يوريفستنيك»، وهو ما يعيد احتمالات اندلاع سباق تسلح نووي جديد إلى الواجهة.
وأشار إلى أن الرئيس ترامب يترقب قرار المحكمة الدستورية العليا بشأن أحقيته في فرض الرسوم الجمركية على الدول التي تتعامل مع موسكو، موضحًا أن هذا القرار قد يمثل تحول كبير في سياسة الضغط التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه روسيا
وأضاف أن بعض القضاة يسعون إلى منع هذا الحق، ما قد يشكّل حال حدوثه كارثة اقتصادية على الولايات المتحدة إذا اضطرت للتراجع عن تلك الرسوم بعد تطبيقها.
في السياق ذاته، قال مدير شبكة الجيوستراتيجي للدراسات إبراهيم كابان، إن هناك بصيص أمل لوقف الحرب الروسية الأوكرانية، مؤكدًا أن اشتداد المعارك يعني في أحيان كثيرة اقترابها من نهايتها.
وأضاف كابان في حديث لـ"إرم نيوز" أن الأزمة الأوكرانية الروسية تتميز بدرجة عالية من التعقيد، إذ يسعى كل طرف لإظهار نفسه أمام المجتمع الدولي باعتباره الطرف المسيطر والمبادر بالهجوم، وهو ما يمنح أمريكا والدول الكبرى دور رئيس في إدارة هذا الملف، ليس فقط من زاوية المصالح الاقتصادية أو العسكرية، بل من موقعها كقوة مؤثرة في القرارات الدولية المتعلقة بالأزمات.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة عبر إداراتها المتعاقبة اعتادت تقديم نفسها كوسيط يسعى إلى إدارة الأزمات وحلها، معتبرًا أن قطار الصراع الأوكراني لن يتوقف قريبًا، إذ لا يزال محمّلًا بكل الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة للحل والمواجهة على حد سواء.
وأوضح أن روسيا تسيطر حاليًا على نحو ثلث الأراضي الأوكرانية، وأن أي توقف محتمل للحرب سيكون في مصلحتها، بينما تسعى أوكرانيا إلى استمرار القتال بهدف استعادة المناطق التي خسرتها عبر توسيع نطاق المواجهة وإشراك أوروبا بشكل أكبر في الصراع.
وقال إن الولايات المتحدة، إذا امتلكت إرادة سياسية حقيقية لوقف الحرب، يمكن أن تنجح في إنهائها فعليًا، معتبرًا أن استمرار الصراع مرهون بمدى رغبة واشنطن في توظيف قوتها السياسية والاقتصادية لإنهائه.