لطالما كافحت موزمبيق، الدولة الواقعة في جنوب القارة الأفريقية، من أجل التعافي الاقتصادي، باستغلال موقعها الجيوستراتيجي وثرواتها الطبيعية والزراعية التي أصبحت محط اهتمام القوى العالمية المتنافسة على مصادر الطاقة.
قبل ما يزيد عن ربع قرن خرجت موزمبيق من الحرب الأهلية لتصبح واحدة من أشد بلدان العالم فقراً، وما زالت تكافح للخروج من هذه الدائرة بالعمل على تحقيق نمو اقتصادي بفضل إصلاحات السوق والاستثمارات العامة الواسعة في البنية الأساسية والتدفقات الكبيرة للاستثمار الأجنبي المباشر.
وتُشكِّل الزراعة مصدر الدخل الرئيسي لأكثر من 70 في المئة من سكان موزمبيق، وتوفِّر فرص عمل لما نسبته 80 في المئة من القوة العاملة.
وجعل تمتع موزمبيق بموانئ وممرات تنمية وثروات طبيعية وزراعية البلاد محط اهتمام، فقد أعلنت الحكومة الموزمبيقية مؤخرا حصولها على تمويل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا بقيمة 145 مليون يورو، لتحديث الخط الحديدي الرابط بين العاصمة مابوتو ومنطقة ريسانو غارسيا، في إطار جهود تهدف إلى تعزيز قدرات النقل، وترسيخ مكانة البلاد كمركز تجاري محوري في جنوب القارة الأفريقية.
وبجانب الزراعة تمتلك موزمبيق موارد طبيعية هائلة من الغاز الطبيعي والنفط واليورانيوم والذهب والفحم، ما يجعلها تمتلك إمكانيات كبيرة حتى تصبح لاعبا مهما في سوق الطاقة العالمية.
لكن، أدى انعدام الأمن في المنطقة، التي تعاني من التمرد منذ العام 2017، إلى تأجيج الجدل حول عدة مشاريع طاقوية وُجهت إليها انتقادات لتأثيرها البيئي في واحدة من أكثر دول العالم عرضة لمخاطر تغير المناخ.
ومع ذلك، تأمل موزمبيق في ترسيخ مكانتها كعملاق لصناعة الغاز. ويرتبط هذا الطموح باحتياطيات تُقدر بأكثر من 5 تريليونات متر مكعب من الغاز، "تكفي لتزويد بريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لما يقرب من عشرين عامًا"، كما ذكر البنك الأفريقي للتنمية.
وتمت إعادة إطلاق مشروع الغاز الطبيعي المسال الضخم الذي تقوده شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية، بعد توقف طويل بسبب أعمال عنف المتشددين.
وبدأت مجموعة "إيني" الإيطالية تشغيل هذه المرافق منذ العام 2022 في موقع "كورال ساوث" البحري، الذي تمت الموافقة على نموذج مماثل له شمالًا في أوائل أكتوبر تشرين الأول.
ويعتزم ائتلاف موزمبيق للغاز الطبيعي المسال، الذي تُعد توتال إنرجيز المقاول الرئيسي والمساهم الرئيسي فيه، بناء محطة تسييل بسعة أكبر بأربع مرات - حوالي 13 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا - ومن المتوقع وصول أولى الشحنات في عام 2029.
وقد يكون لإعلان توتال إنرجيز تأثيرٌ مُباشر على المشروع الرئيسي الثالث في المنطقة، وهو المشروع الذي تقوده إكسون موبيل، والمُخطط لإنتاج أكثر من 15 مليون طن من الغاز الطبيعي المُسال سنويًا.
وقد صرّحت الشركة الأمريكية العملاقة بأنها تنتظر حلّ حالة القوة القاهرة قبل المُضيّ قُدمًا. ومن المُتوقع أن تُصدر قرارها الاستثماري النهائي في عام 2026.
وإلى جانب حقولها الغازية الشاسعة، تتميز موزمبيق بموقعها الجغرافي على المحيط الهندي، وهو موقع مثالي للوصول إلى السوق الآسيوية، حيث من المتوقع أن ينمو الطلب على الغاز بشكل ملحوظ.
وقد شاركت العديد من الشركات الآسيوية من الهند والصين وكوريا وتايلاند واليابان في مختلف المشاريع، إما كشركاء في التطوير أو كعملاء للتوريدات المستقبلية.
ويبقى أن نرى تأثير هذه الثروات الغازية غير المتوقعة على موزمبيق، حيث يعيش أكثر من 80% من سكانها تحت خط الفقر، وفقًا للبنك الدولي. وتمثل المشاريع الثلاثة الكبرى مجتمعةً استثمارات بقيمة تقارب 68 مليار دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لموزمبيق تقريبًا.
ومع ذلك، فإن الإيرادات الضريبية المتأتية منها لن تتحقق في معظمها إلا خلال العقد المقبل. وفي بلد يعاني من الفساد والمحسوبية، لا يوجد ما يضمن أن تعود هذه الأموال بالنفع على السكان.