رصدت صحيفة "هآرتس" العبرية أوجه شبه "غير متوقعة" في الاستراتيجيات النووية لإسرائيل وإيران، وفي كيفية تعامل هاتين الدولتين مع التحدي النووي.
وبين التشابه في استناد البلدين إلى العامل الديني والتراثي، هناك أيضاً أسلوب العمل في توجيه طموحاتهما النووية في مواجهة الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية، إضافة إلى "السرية" الكبيرة التي أحاطت بالبرنامجين النوويين.
وفي العام 1945، بدأت القنبلة كسلاح قوي قابل للاستخدام، قبل أن تتحول إلى رمز للقوة الوطنية يثير مشاعر الخوف والتبجيل، ومع ذلك، يدرك الجميع أنه لا يمكن استخدامها كخيار أول.
على الرغم من الاختلافات الشاسعة بين إيران وإسرائيل، فإن "هآرتس" رصدت أوجه تشابه لافتة في كيفية تعامل هاتين الدولتين مع التحدي النووي، وهي ليست واضحة على مستوى الدولة، بل أيضاً على المستويات المجتمعية والثقافية، وربما حتى الدينية.
ترى كلتا الدولتين نفسيهما حلقة في سلسلة تراث وطني وثقافي وديني غني، يمتد لآلاف السنين، كما تعيشان في ظل شعور دائم بالضحية، وهما مقتنعتان بأن السماء قد منحتهما مكانة مميزة بين الأمم، كما تعتقدان أنهما مؤهلتان إما لامتلاك خيار نووي أو الاقتراب منه.
فيما يتعلق بوجه التشابه الثاني، بحسب "هآرتس" في أسلوب العمل بتوجيه طموحاتهما النووية في مواجهة الصعوبات والتحديات الداخلية والخارجية، فرغم الاختلافات التكنولوجية الواضحة، فإن القوى الداخلية التي حرّكت وشكّلت، بل وكبحت، الطموحات النووية لكل دولة، كانت تستند إلى مزيج مماثل من التصميم التكنولوجي المتوازن مع القيود السياسية والدبلوماسية.
أما التشابه الثالث، فيتجسّد في أن البلدين بدآ برامجهما النووية سراً بإنشاء بنية تحتية تكنولوجية واسعة النطاق لإنتاج المواد الانشطارية اللازمة للأسلحة، ديمونا في إسرائيل أواخر الخمسينيات، ونطنز ومواقع أخرى في إيران بداية من أوائل الألفية الثانية.
في كلتا الحالتين، سرعان ما اكتشف العالم الخارجي أعمال البناء، وأعلن قادة البلدين رسمياً أن ديمونا ونطنز يُبنيان "للأغراض السلمية" فقط، وهو التشابه الرابع بحسب الصحيفة العبرية.
وأدرك البلدان أيضاً منذ البداية أنهما سيضطران إلى قبول نوع من الرقابة الخارجية التي قد تحد من قدرتهما على تطوير الأسلحة. وتضيف "هآرتس" أنه "لحسن حظ إسرائيل، كان هذا الترتيب الإشرافي سرياً وشبه رسمي وثنائياً عبر زيارات سنوية إلى ديمونا من قِبل علماء نوويين أمريكيين".
لكن في المقابل، كان التفتيش على إيران علنياً ورسمياً، وتجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا فرق كبير، واختلاف بين تجربة الدولتين.
بالنظر إلى الماضي، ليس من الواضح أن رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون، الأب المؤسس لمفاعل ديمونا، كان في البداية أكثر وضوحاً بشأن أهدافه طويلة المدى من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الأب المؤسس لمفاعل نطنز، بعد حوالي 40 عاماً.
وفي التشابه السادس، بدأ كلاهما رحلتهما النووية مدفوعين بمخاوف بدائية ذات أصل تاريخي، بالنسبة لبن غوريون، كانت المحرقة، وبالنسبة لخامنئي، كان الرئيس العراقي، صدام حسين، والحرب المميتة بين البلدين لثماني سنوات.
وتقول "هآرتس" في التشابه السابع إن الزعيمين "لم يصوغا رؤيتهما الأساسية بما يتجاوز حدسهما البدائي للغاية، وأدركا غريزياً أن مجرد التلفظ بكلمة قنبلة أمرٌ محرم"، حتى إن خامنئي أصدر فتوى تُحرّم الأسلحة النووية".
لكن في الاختلاف، كان بدء برنامج ديمونا قبل نطنز بنصف قرن تقريباً يُفسر التباين بين مكانة إسرائيل سابقاً وإيران اليوم، إذ أدار كلا البلدين مشاريعهما النووية في سياقات تاريخية متناقضة للغاية، وفي ظل قوى وأعراف سياسية دولية متباينة.
وتقول "هآرتس" إن "عالم الخمسينيات والستينيات، حين كانت ذكرى المحرقة لا تزال حاضرة في الأذهان، كان أكثر وداً وتسامحاً ودعماً لإسرائيل"، مشيرة إلى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، وافق ضمنياً على أن تُطوّر إسرائيل خياراً نووياً طالما التزمت بنوع من "التعتيم يُمكن التعايش معه".
وتخلُص الصحيفة العبرية إلى أن هناك تشابهاً ثامناً، قائما حتى اليوم، ويتعلق بأن أياً منهما لم يعلن صراحة أن له الحق أو المصلحة في امتلاك أسلحة نووية، كما يتجنبان أي خطوة علنية من شأنها ربط مستقبلهما الوطني بالقنبلة.