logo
العالم

"قمة الضمانات".. كيف يرسم الأوروبيون مستقبل أوكرانيا في كواليس واشنطن؟

هل تنهي قمة بوتين وترامب حرب أوكرانيا بصفقة تبادل أراضٍ؟المصدر: إرم نيوز

بينما تقترب الحرب الروسية على أوكرانيا من مرحلةٍ جديدةٍ قد تقود إلى محادثات سلامٍ محتملة، يشتدُّ النقاش في العواصم الأوروبية حول الضمانات الأمنية التي يُفترض أن تؤمّن استقرار أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار.

وكان هذا الملف محور تحركاتٍ دبلوماسية مكثفة مؤخرًا، ولا سيَّما مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعددٍ من القادة الأوروبيين، بحسب ما أورده تقرير لصحيفة "لوموند".

ماكرون: إلى أي مدى أنتم مستعدون؟

قبل توجُّهه إلى الولايات المتحدة يوم الاثنين 18 أغسطس/آب، شدَّد ماكرون على أن الضمانات الأمنية ستكون "قلب النقاش" مع ترامب.

وقال في تصريحاتٍ الأحد إنه يُريد أن يعرف من الأمريكيين "إلى أيِّ مدى هم مستعدون للمساهمة في حال تم التوصل إلى اتفاق سلام"، في إشارةٍ إلى الشكوك الأوروبية المتزايدة بشأن التزام واشنطن على المدى الطويل.

أخبار ذات علاقة

قمة ساخنة في واشنطن

قمة ساخنة في واشنطن.. هل يبيع ترامب أوكرانيا على طاولة البيت الأبيض؟

الأوروبيون يرون أن ضمان أمن أوكرانيا بعد الحرب لا يمكن أن يتحقق دون ردع روسيا عن استئناف عملياتها العسكرية. بالنسبة لهم، يجب أن تتمكن كييف من اختيار تحالفاتها وتسليح نفسها كما تشاء، بينما يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى فرض حياد دائم على أوكرانيا أو تقييد قدراتها العسكرية.

قوة الطمأنة

من بين السيناريوهات المطروحة، فكرة نشْر "قوة طمأنةٍ" أوروبية قوامُها بضعة آلافٍ من الجنود في الأراضي الأوكرانية، وهو مقترحٌ أعلنه ماكرون الأحد.

رغم أن القوات ستكون بعيدةً عن خطوط المواجهة ويرجح أن تقتصر مهامها على التدريب والدعم اللوجستي، إلَّا أن الفكرة تُثير انقساماتٍ واسعة داخل أوروبا بسبب المخاطر المرتبطة بها.

كما يجري بحث خيار تكليف الحلفاء بتأمين الأجواء والمياه الإقليمية الأوكرانية.

ويرى أوليفييه شميت، مدير الأبحاث في أكاديمية الدفاع الدنماركية، في تصريح للصحيفة الفرنسية أن مثل هذا الانتشار "سيبعث رسالةً قوية على جدية الأوروبيين واستعدادهم لتحمل تكاليف دعم كييف".

دروس بودابست

الإصرار الأوكراني على ضماناتٍ ملموسة يجد جذوره في تجربةٍ مريرة تعود إلى العام 1994، عندما تخلَّت كييف عن ترسانتها النووية بموجب "مذكرة بودابست" مقابل اعترافٍ روسي وأمريكي وبريطاني بسيادتها. لكن هذا "الضمان" لم يمنع موسكو من مهاجمتها لاحقًا.

أخبار ذات علاقة

قادة أوروبيون مع زيلينسكي في لقاء سابق

دبلوماسي روسي: موسكو تحتاج ضمانات أمنية موثوقة للسلام في أوكرانيا

 واليوم، نحو ثلاثين دولة ضمن ما يسمى "تحالف الراغبين" تعهدت بدعم أمن أوكرانيا حال التوصل إلى اتفاق. وقد ناقش أعضاء التحالف خياراتهم الأحد قبل عرضها على ترامب، فيما تحدث مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف عن "ضمانات أمنية قوية" يُفترض بحثُها خلال "قمة أنكوريج" بين ترامب ونظيره الروسي.

غياب الناتو وحضور "تحالف الراغبين"

نشأة التحالف تعود إلى مبادرةٍ فرنسية-بريطانية عقب إعلان بيت هيجسيث، وزير الدفاع الأمريكي، في فبراير/شباط ببروكسل، استبعاد أيّ نشرٍ لقواتٍ ضمن إطار الناتو. ومع ذلك، لا تزال أهداف التحالف غامضة، وسط تبرير قادته ذلك بسياسة "الغموض الاستراتيجي"، لكن أيضًا بسبب ارتباك الموقف الأمريكي.

باريس ولندن أعلنتا استعدادهما لإرسال قوات إلى أوكرانيا، لكن بشروط ترتبط بالحصول على "شبكة أمان" من واشنطن. فرنسا أشارت إلى أنها قد تتحرك "مع الولايات المتحدة أو دونها، لكن بالتأكيد ليس دون الأوروبيين الآخرين". غير أن معظم الشركاء الأوروبيين يربطون مشاركتهم المباشرة بموافقة أمريكية واضحة.

الموقف الأمريكي: تطور أم مناورة؟

إدارة ترامب تبدو وكأنها بصدد تعديل مواقفها. فبعد "قمة أنكوريج"، أكد ترامب أن بلاده ستُشارك في أمن أوكرانيا، وجرى طرح فكرة آلية دفاع جماعي مشابهة للمادة الخامسة في معاهدة الناتو، لكنها لا تمنح كييف العضوية الكاملة.

أخبار ذات علاقة

ترامب وزيلينسكي في لقاء سابق

ضمانات أمنية لأوكرانيا.. زيلينسكي يشيد بقرار أمريكي "تاريخي"

غير أن الخبراء يحذرون من الإفراط في الثقة. وصرّح بيير هاروش، أستاذ السياسة الأوروبية في جامعة ليل، قائلًا إن "الخطاب المزدوج لترامب بشأن العقوبات على روسيا - يُعلنها ولا ينفذها -يدعو إلى الحذر".

زيلينسكي: "قرارٌ تاريخي"

من جانبه، وصف الرئيس الأوكراني زيلينسكي احتمال منح بلاده ضماناتٍ أمنيةً بأنه "قرارٌ تاريخي". وفي رسالةٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعد اجتماعٍ بالفيديو مع "تحالف الراغبين"، أكد أن الضمانات "يجب أن تكون عملية، توفر الحماية على الأرض وفي الجو وفي البحر، وأن تُطوَّر بمشاركة أوروبية واسعة".

ويتوقَّع الخبراء أن تكون الضمانات متعددة المستويات: مشاركة مباشرة من بعض الدول الأوروبية عبر قوات على الأرض، مع الاعتماد على ثقل فرنسا وبريطانيا كقوتين نوويتين وعضوين في الناتو، وهو ما يشكل رادعًا بحد ذاته.

أما الولايات المتحدة فستبقى، كما يقول أنطونيو ميسيرولي، الأمين العام المساعد السابق لحلف الناتو، "ضامن الضامنين"، لكن بشروط غامضة تقل كثيرًا عن التزامات الناتو الرسمية.

وفي المحصلة، تبدو أوروبا أمام معادلةٍ صعبة؛ فهي تسعى لضمان أمن أوكرانيا بطريقةٍ تُلزم واشنطن دون أن تحلّ محل الناتو، بينما تبقى مخاوفها من تقلُّب المواقف الأمريكية قائمة.

وبينما يُراهن زيلينسكي على لحظةٍ تاريخية، يخشى الأوروبيون أن تتحوّل "الضمانات الأمنية" إلى مجرد إعلانٍ سياسي جديد، يفتقر إلى القوة الرادعة التي وحدها قد تمنع روسيا من تكرار عدوانها.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC