كشف عام 2025 عن تحول دراماتيكي في بيئة التهديدات الأمنية بإفريقيا، فمن رحم انكسار التحالفات التقليدية، ولدت منظمات وحركات متمردة جديدة عدا "داعش" و"القاعدة"، نجحت في خلط الأوراق الأمنية، متجاوزة الهياكل المعروفة للجماعات المتشددة.
ويرى خبراء أن المشهد الإفريقي في 2025 لم يعد مقتصرًا على الإرهاب "العابر للحدود"، بل شهد صعود حركات محلية مسلحة انقلبت على الحكومات أو رفعت السلاح تحت لافتات سياسية وعرقية، مستخدمة تكتيكات قتالية لا تختلف في وحشيتها عن الجماعات المتطرفة التقليدية.
هذا الانشطار في جبهات القتال وتعدد الولاءات وضع القارة أمام تحدٍّ أمني معقد، حيث بات الخطر يأتي من فصائل ناشئة تنمو في "المناطق الرمادية" بعيدًا عن الرقابة الدولية المركزة على التنظيمات الكبرى.
وتُبرز الهشاشة الأمنية في إفريقيا كيف انتقلت بعض الجماعات من الدفاع الذاتي المحلي إلى الجريمة العابرة للحدود والنشاط المتطرف، مثلما هي الحال لجماعة "لاكوراوا" الهجينة النشطة على الحدود النيجيرية الهشة.
وبدأت "لاكوراوا" بالصعود في شمال غرب نيجيريا، بالقرب من النيجر وبنين، بعدما كانت نشأت في مالي والنيجر، لتتطور هذا العام وتصبح جماعة هجينة عابرة للحدود، تمزج بين التطرف والجريمة المنظمة.
وتستغل "لاكوراوا" ضعف الحكم والفقر وانعدام الأمن، وتستخدم الدين لتبرير أعمالها الإجرامية، بما في ذلك سرقة الماشية والاستيلاء على المحاصيل وتخريب آبار النفط. وقد زادت تفاعلاتها الأخيرة مع فصيل من جماعة "بوكو حرام" من حدة التهديد؛ ما دعا خبراء إلى الحاجة الماسة إلى استجابة منسقة ومتعددة الأبعاد عابرة للحدود لمواجهة هذا التحدي.

ووصف بعض المسؤولين النيجيريين في البداية جماعة "لاكوراوا" بأنهم "رعاة مسالمون"، لكن السلطات النيجيرية صنفتها كجماعة إرهابية بعد سلسلة من الهجمات وعمليات النزوح القسري وفرض السيطرة الاجتماعية على المجتمعات الريفية.
وحذّر خبراء الأمن من أن مثل هذه الجماعات قد تُوفّر منافذ خصبة لحركات التطرف العابرة للحدود.
وكشف تقرير حديث صادر عن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن، عن تحول إستراتيجي وخطير في خريطة التحالفات المسلحة بالمنطقة، مؤكدًا رصد تصاعد غير مسبوق في مستوى التعاون بين ميليشيا الحوثيين وتنظيمات إرهابية تقليدية كانت تُصنف تاريخيًّا على أنها "خصوم أيديولوجيون".
وأوضح التقرير أن عام 2025 شهد تبلور "محور عملياتي" يجمع بين "الحوثيين" من جهة، وتنظيم "القاعدة" وحركة "الشباب الصومالية" من جهة أخرى. ورغم أن هذه التنظيمات تُعد لاعبين قدامى في الساحة، فإن العنصر المفاجئ يكمن في تجاوز الخلافات الفكرية لصالح تنسيق ميداني ولوجستي وتكتيكي عالي المستوى؛ ما يهدد بفتح جبهات مترابطة تمتد من البحر الأحمر وصولًا إلى العمق الإفريقي، ويضع الأمن الإقليمي والدولي أمام تحديات غير نمطية.

وأوضح التقرير أن العلاقة بين "الحوثيين" وحركة "الشباب الصومالية" شهدت توسعًا غير مسبوق خلال عام 2025، شملت تهريب الأسلحة والتدريب الفني وتبادل الدعم اللوجستي. وبحسب المعلومات التي جمعها الفريق من مصادر رسمية وسرية، أصبح اليمن مركزًا لتدريب عناصر الحركة الصومالية في مجالات العبوات الناسفة وتكنولوجيا الطائرات المسيّرة.
كما أشار إلى أن مهندسين حوثيين سافروا إلى مدينة جِلب الصومالية لتدريب مقاتلين، في حين نُقل نحو 400 صومالي إلى اليمن لتلقي تدريبات عسكرية وأيديولوجية في مناطق خاضعة لسيطرة الميليشيا.
وفي المقابل، صادرت أجهزة الأمن الصومالية شحنات متفجرات وطائرات مسيرة كانت متجهة إلى اليمن، واعتقلت عشرات المتورطين في شبكات تهريب تضم نحو 70 عنصرًا على صلة بميليشيا الحوثيين و"حركة الشباب".
وإلى إثيوبيا التي واجهت في عام 2025 منعطفًا أمنيًّا خطيرًا ينذر بانهيار "اتفاقية بريتوريا للسلام" الموقعة عام 2022، وذلك عقب بزوغ فصيل متمرد جديد انشق من قلب إقليم "تيغراي". وبدلًا من التزام التهدئة، انخرطت الجماعة الناشئة في صدامات مسلحة مع "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، وشنت غارات استهدفت مدنيين في إقليم "عفر" المجاور.
وتفيد تقارير فرنسية، بأن الجماعة المتمردة المعروفة بقوة سلام تيغراي أسسها أعضاءٌ سابقون ساخطون من قوات دفاع تيغراي وقادةٌ من الصف الأوسط في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ممن شعروا بالخذلان بعد اتفاق السلام.

وقد ورد أن قوة سلام تيغراي تريد إنهاء هيمنة الجبهة السياسية في المنطقة، وأن يكون جيش تيغراي على الحياد، وتعارض نصرة كبار القادة العسكريين للجبهة. واتهم المتمردون الجبهة بالتحالف مع إريتريا لإشعال نار الصراع في تيغراي من جديد.
وتتحرك القوة من المناطق الحدودية الجنوبية الشرقية بين ولايتي تيغراي وعفر، وأعلنت أن أجزاءً من هذه المنطقة عبارة عن "أرض حرة"؛ وهي منطقة رمزية خارج سلطة الجبهة.
وبدأت تنظيم عملياتها في عفر في عام 2025، ودخل العشرات من مقاتليها المسلحين مقاطعة وجرات جنوبي تيغراي يوم الـ2 من يوليو/ تموز، وقاتلوا فيها جيش تيغراي، غير أن حجم الخسائر التي تكبدها كلا الجانبين غير معروف.
وفي منطقة نزاع أخرى في إفريقيا بجمهورية الكونغو الديمقراطية برزت حركة متمردة جديدة بقيادة توماس لوبانغا، وهي الجبهة الشعبية، وشنّت هجمات عنيفة في مقاطعة "إيتوري" شمال مدينة "بونيا" خلال أغسطس/ آب 2025.
وفي خطوة مفاجِئة أثارت موجة من القلق داخليًّا وخارجيًّا، أعلن توماس لوبانغا -أول شخص أدانته المحكمة الجنائية الدولية عام 2012 بتهم تجنيد الأطفال للقتال في صفوف ميليشياته- عن تأسيس "الجبهة الشعبية"، وهي حركة مسلحة جديدة تنشط حاليًّا في إقليم إيتوري شرقي البلاد، حيث لا يزال الصراع الإثني والطائفي محتدمًا منذ سنوات.
وصرّح لوبانغا في تسجيل مصوّر بأن حركته تهدف إلى "الدفاع عن حقوق شعب إيتوري الذي يعاني التهميش، وحماية المجتمعات المحلية من الإهمال والعنف المنظّم".
وقد أثار هذا الإعلان استياءً واسعًا في الأوساط الحقوقية والدولية، إذ يرى كثيرون أن الإفراج المبكر عن لوبانغا، دون آليات واضحة لإعادة تأهيله أو مراقبته، يشكّل خطرًا جديًّا على استقرار البلاد.
أما في جمهورية إفريقيا الوسطى فقد شهدت ولادة تحالف أزاندي عام 2025 وتصدعًا في تحالف هذه المجموعة مع الجيش الحكومي؛ ما أدى إلى تصاعد الاشتباكات المسلحة.
ولم يؤدِّ الدمج المتسرع لميليشيا "أزاندي آني كي جيه" في الجيش الوطني في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى تفاقم عدم الاستقرار فحسب، بل سلّط الضوء أيضًا على مخاطر عميقة في الجهاز الأمني. وعُدّت هذه الخطوة أحدث إستراتيجية ارتجلتها حكومة إفريقيا الوسطى في تعاملها مع الجماعات المسلحة، وقد كانت لها عواقب وخيمة.

وتأسست ميليشيا "جيش أزاندي الإفريقي" عام 2023 على يد شبّان من قبيلة الزاندي لمواجهة متمردي "الفولاني"، وسرعان ما استقطبتها بانغي وحلفاؤها الروس في مجموعة "فاغنر".
لكن هذا الخيار، الذي كان يهدف إلى تعزيز القتال ضد اتحاد قبائل الفولاني، تحوّل إلى قنبلة موقوتة من الفوضى والعصيان والعنف ضد المدنيين الفولانيين، وصولًا إلى اشتباكات مباشرة مع القوات النظامية والميليشيات الروسية.