مع اقتراب ساناي تاكايتشي، البالغة من العمر 64 عامًا، من تولي رئاسة الوزراء اليابانية، يترقب العالم تأثير أول زعيمة يابانية محافظة قوية على السياسة الداخلية والخارجية.
تُعرف تاكايتشي باسم "المرأة الحديدية اليابانية"، وهي تنتقد سياسات سابقيها، وتريد إعادة التفاوض على اتفاقية التعريفات الجمركية التي أبرمها رئيس الوزراء المنتهية ولايته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، معتبرةً رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان "غبيًا"، بحسب صحيفة "آسيا تايمز".
دخول زعيمة محافظة ذات مواقف صريحة تجاه الصين وترامب يُعد بمثابة بطاقة غير متوقعة في اللعبة الجيوسياسية؛ فزيارتها المنتظمة لضريح الوطني ياسوكوني وتاريخها الطويل في انتقاد الصين يعكسان موقفًا صلبًا يمكن أن يربك العلاقات مع بكين، بينما فريق ترامب في واشنطن يراقب كل تحركاتها من كثب.
لن تحظى تاكايتشي بشهر عسل طويل؛ فالاقتصاد الياباني يعاني تباطؤًا حادًا؛ حيث بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 0.7% في السنة المالية الحالية، فيما ارتفع معدل البطالة إلى 2.6% في أغسطس، وهو الأعلى خلال 13 شهرًا.
ويقول ستيفان أنجريك، كبير الاقتصاديين في موديز أناليتيكس، إن ضعف الاقتصاد المحلي والرسوم الجمركية الأمريكية وعدم اليقين السياسي يشكل ضغطًا على التوظيف والأجور.
ويشير إلى أن التضخم الثابت يُضعف مكاسب الأجور ويُبقي الإنفاق الاستهلاكي منخفضًا، ما يجعل التعافي الاقتصادي هشًا.
تلتزم تاكايتشي، مثل مرشدها السياسي الراحل شينزو آبي، بسياسات التيسير النقدي والتحفيز المالي لخفض قيمة الين وتحفيز الشركات، لكن هذه الاستراتيجية تُثقل ديون اليابان التي بلغت 260% من الناتج المحلي الإجمالي، وتثير مخاوف "حراس السندات" مع ارتفاع عائدات السندات الحكومية إلى مستويات قياسية منذ عام 1999.
إضافة إلى ذلك، تواجه تاكايتشي تحديًا داخليًا يتمثل في غياب السيطرة الكاملة على البرلمان، ما يفرض عليها تكوين تحالفات مع أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما قد يحد من قدرتها على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الطموحة أو خفض الضرائب دون تفاقم الدين العام.
على الرغم من شعاراتها حول تمكين المرأة وتقليص فجوة الجنسين، تواجه تاكايتشي تحديات كبيرة في هذا المجال؛ فقد عارضت استخدام الأزواج لألقاب منفصلة، ولا تؤيد زواج المثليين، ما يجعلها محل جدل حول قدرتها على قيادة نهضة اجتماعية حقيقية.
حتى سياسات سلفها شينزو آبي، التي ركزت على "اقتصاد المرأة"، لم تُترجم إلى نتائج ملموسة: منذ عام 2012، تراجعت اليابان في مؤشر المساواة بين الجنسين من المرتبة 101 إلى المرتبة 118 من أصل 148 دولة، وتخلفت في تمثيل النساء في المناصب السياسية عن دول مثل السعودية.
تواجه تاكايتشي اليوم مهمة شاقة لإعادة توظيف نصف القوى العاملة اليابانية، والتي تمثل النساء، لمواجهة تباطؤ الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، في وقت تشهد فيه الشركات اليابانية ضغوطًا متزايدة لمنافسة الصين في التكنولوجيا والطاقة المتجددة والروبوتات وأشباه الموصلات.
تضع مواقف تاكايتشي تجاه التجارة والصين العالم أمام مناورات صعبة؛ فهي تنتقد اتفاقية التعريفات الجمركية مع ترامب، وتدرس إمكانية إعادة التفاوض، معتبرة أن المكافآت التي طالب بها الرئيس الأمريكي لا تصب في مصلحة اليابان.
وعلى الصعيد الصيني، تشكل مواقفها المحافظة تجاه بكين تحديًا إضافيًا، خصوصًا مع تصاعد نفوذ الصين في مجالات التكنولوجيا الحديثة والطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية.
وقد يؤدي دخول تاكايتشي على الساحة إلى مزيد من التوترات التجارية والجيوسياسية، ويضع اليابان في مواجهة مباشرة مع أكبر شريك اقتصادي منافس لها.
وفي الداخل، سيواجه حزبها الليبرالي الديمقراطي تحديات للتوفيق بين استراتيجيات النمو الاقتصادية التقليدية، وحاجة الاقتصاد المتباطئ إلى إصلاحات هيكلية عاجلة، وسط بيئة سياسية منقسمة برلمانيًا ومجتمعيًا.
تولي تاكايتشي الرئاسة اليابانية يمثل مفترق طرق حرجًا للسياسة والاقتصاد اليابانيين. عليها مواجهة ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع الدين العام، وتحديات سوق العمل وتوظيف النساء بشكل فعال، وتوازن العلاقات مع ترامب والصين وسط حرب تجارية متصاعدة، وصراعات برلمانية لتشكيل حكومة ائتلافية قادرة على تنفيذ السياسات الطموحة.
يمكن لتاكايتشي إذا نجحت أن تعيد اليابان إلى مصاف القوى الاقتصادية القادرة على المنافسة عالميًا؛ وإذا فشلت، فقد يزداد الانكماش الاقتصادي، وتستمر فجوة المساواة بين الجنسين، وتتعقد المواقف التجارية والسياسية في آسيا والعالم.
وتولي "المرأة الحديدية اليابانية" المنصب لن يكون مجرد حدث سياسي داخلي، بل اختبار حقيقي لقدرة اليابان على إعادة بناء اقتصادها ومكانتها العالمية في مواجهة أزمات متعددة الأبعاد.