تشهد اليابان سباقًا سياسيًا غير مسبوق مع انطلاق الانتخابات الداخلية للحزب الليبرالي الديمقراطي في 22 سبتمبر/أيلول لاختيار خليفة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته إيشيبا شيغيرو.
ويشارك في السباق خمسة مرشحين بارزين، لكن الأضواء تتركز بشكل خاص على تاكايتشي ساناي، الوزيرة السابقة للأمن الاقتصادي، التي قد تكتب اسمها في التاريخ كأول امرأة تصل إلى منصب رئاسة الوزراء في اليابان، بحسب صحيفة "The Diplomat".
السباق لا يخلو من المفاجآت؛ فبحسب استطلاع أجرته صحيفة "يوميوري شيمبون"، تتصدر تاكايتشي المشهد بنسبة تأييد بلغت 29%، متقدمة على منافسها الأبرز كويزومي شينجيرو (25%).
ورغم أن استطلاعًا آخر لوكالة جيجي برس منح الأفضلية لكويزومي، إلا أن المحللين يرون أن المنافسة ستنحصر بين الاثنين، في جولة قد تحدد مستقبل اليابان لعقد قادم.
خلفية سياسية ومسيرة حافلة
تمثل تاكايتشي واحدة من أكثر الشخصيات ثباتًا واستمرارية في المشهد السياسي الياباني. فمنذ دخولها البرلمان العام 1993، استطاعت أن تحافظ على حضور فاعل من خلال توليها حقائب وزارية مؤثرة، مثل الشؤون الداخلية والاتصالات في عهد شينزو آبي، والأمن الاقتصادي في حكومة كيشيدا.
ويكشف سجلها السياسي عن ارتباط وثيق بالمشاريع الاستراتيجية طويلة الأمد، بدءًا من تطوير سياسات العلوم والتكنولوجيا، وصولًا إلى دفع مبادرات طموحة مثل "استراتيجية اليابان الرائعة"؛ ما يعكس موقعها كلاعبة محورية في صياغة توجهات اليابان المستقبلية.
عُرفت تاكايتشي بقربها من رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذي يعتبرها كثيرون "تلميذته السياسية". هذا الارتباط يمنحها ثقلًا بين المحافظين، خصوصًا مع تراجع شعبية الحكومة الحالية؛ ما يجعلها تبدو خيارًا آمنًا لإعادة الحزب إلى جذوره القومية المحافظة.
وعود اقتصادية مثيرة للجدل
تعهدت تاكايتشي في خطاب ترشحها بخطة طموحة لمضاعفة حجم الاقتصاد الياباني خلال عشر سنوات، عبر تخفيضات ضريبية، وتقديم دفعات نقدية مباشرة، وإلغاء ضريبة البنزين المؤقتة؛ وقالت بحزم: "النمو أولًا، ثم الاستقرار المالي".
لكن وفقًا للصحيفة، يرى خبراء الاقتصاد أن هذه السياسة محفوفة بالمخاطر. جيفري هول، المحاضر في جامعة كاندا، اعتبر أن خططها قد تواجه "معارضة شرسة حتى من داخل الحزب"، وأنها قد تُتهم بالتهور المالي إذا حاولت تنفيذها؛ وهذه المفارقة تجعل الملف الاقتصادي أكبر نقاط ضعفها في السباق الرئاسي.
وعلى الساحة الخارجية، تحمل تاكايتشي أجندة واضحة تستند إلى مدرسة آبي؛ فهي تؤيد تعديل الدستور للسماح لقوات الدفاع الذاتي بلعب دور عسكري أوسع، كما تؤكد على أهمية التحالف مع الولايات المتحدة.
وتستشهد غالبًا بعلاقتها الوثيقة برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، في إشارة إلى رؤيتها القيادية المحافظة؛ لكن مواقفها لا تخلو من الجدل، حيث زارت ضريح ياسوكوني العام 2022 لإحياء ذكرى قتلى اليابان في الحروب، وهو ما يثير حساسيات عميقة لدى الصين وكوريا الجنوبية.
ورغم أنها تجنبت التعليق مؤخرًا على نيتها تكرار الزيارة، إلا أن هذا الملف يبقى قنبلة موقوتة تهدد بتوتير علاقات اليابان مع جيرانها في وقت يشهد انفراجًا نسبيًا.
معركة النفوذ داخل الحزب
رغم قوتها، لا تسير الطريق أمام تاكايتشي دون عقبات؛ حيث أعلن شخصيات وازنة في الحزب مثل كونو تارو وكاتو كاتسونوبو دعمهم للمنافس كويزومي، في خطوة قد تذكّر بتجربتها العام 2024 حين فازت في الجولة الأولى وخسرت في الثانية أمام إيشيبا الأكثر اعتدالًا.
وتواجه "المرأة الحديدية" أيضًا صورة المرشحة المتشددة؛ فهي لم تتردد سابقًا في الانفصال عن زوجها بسبب خلاف سياسي، قبل أن تعود للزواج منه لاحقًا بعد أن أخذ اسمه عائلتها؛ فمثل هذه القصص تعزز صورة المرشحة الصلبة التي لا تساوم على مبادئها.
يمثل فوز تاكايتشي المحتمل نقطة تحول في مسار المساواة بين الجنسين في اليابان؛ فالبلاد تحتل المرتبة 118 عالميًا في تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2025، مع تمثيل ضئيل للنساء في القيادة السياسية.
وترى الباحثة هيروكو تاكيدا من جامعة ناغويا أن وصول امرأة إلى رئاسة الوزراء "سيغير نظرة العالم لليابان، ويمنح الأمل للنساء اليابانيات"؛ أما تاكايتشي نفسها فقد شددت على أنها ستبني مجتمعًا لا يُجبر فيه أحد على ترك عمله لرعاية الأطفال أو المسنين، مستندة إلى تجاربها الشخصية في الرعاية.
ومع اقتراب موعد التصويت في 4 أكتوبر/تشرين الأول، تترقب اليابان والعالم ما إذا كانت تاكايتشي ساناي ستكسر السقف الزجاجي وتصبح أول رئيسة وزراء في تاريخ البلاد.
لا يقتصر سباق تاكايتشي على خلافة إيشيبا، بل هو اختبار أوسع لخيارات اليابان بين الانفتاح الحذر والتمسك بالمحافظة، بين الاستقرار الاقتصادي والتجريب الجريء، وبين استمرار سيطرة الرجال وصعود "المرأة الحديدية".