logo
العالم

بين الغموض والتهديد.. كيف يستخدم ترامب ملف تايوان كورقة ضغط على الصين؟

ترامبالمصدر: رويترز

في مقابلةٍ تلفزيونية على برنامج "60 دقيقة" بثّتها شبكة "سي بي إس"، وجّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالةً حذرة إلى الصين، مؤكدًا أن بكين "تدرك العواقب" إذا حاولت شنّ هجوم عسكري على تايوان، من دون أن يصرّح بوضوح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا للدفاع عن الجزيرة.

وبحسب "بلومبرغ" فإنه رغم اللهجة التحذيرية، يُعيد امتناع ترامب عن توضيح الرد الأمريكي، التأكيد على سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي تتبعها واشنطن منذ عقود، وهي السياسة التي تمنحها حرية التحرك العسكري عند الضرورة، لكنها لا تلتزم مسبقًا بتدخل مباشر ضد الصين.

وقال ترامب في المقابلة: "شي جين بينغ يفهم ما سيحدث"، رافضًا الإفصاح عن تفاصيل إضافية بقوله "لا أريد أن أفشي أسرارًا". كما أشار إلى أن الزعيم الصيني ومسؤولين آخرين أكدوا له خلال اجتماعات سابقة أنهم لن يتحركوا ضد تايوان أثناء فترة رئاسته "لأنهم يعرفون العواقب".

هذه التصريحات، التي تأتي بعد أسبوع من لقاء ترامب وشي في كوريا الجنوبية، تسعى على ما يبدو إلى طمأنة تايبيه بأن الدعم الأمريكي لا يزال قائمًا، مع الإبقاء على مساحة مرنة في صياغة الموقف الاستراتيجي تجاه بكين.

أخبار ذات علاقة

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جي بينغ

ترامب يحذّر الصين من "عواقب" غزو تايوان

تلقّت تايوان تصريحات ترامب بمزيج من الارتياح والحذر؛ فمن جهة، تمنح اللهجة التحذيرية إشارةً إيجابية بأن واشنطن لا تزال ملتزمة بالدفاع عن الديمقراطية ذات الـ23 مليون نسمة. 

ومن جهة أخرى، فإن ملاحظات ترامب السابقة التي اتهم فيها تايوان بأنها "استولت على صناعة الرقائق الأمريكية" أثارت قلقًا في الأوساط السياسية في تايبيه بشأن مدى استمرارية هذا الدعم.

فقد شدّد ترامب في أكثر من مناسبة على أن على تايوان "تحمل مسؤولية أكبر" في الدفاع عن نفسها ضد جيش التحرير الشعبي الصيني، الذي زاد من نشاطاته العسكرية حول الجزيرة في السنوات الأخيرة. 

ويأتي ذلك في ظل تزايد الضغوط على الحكومة التايوانية برئاسة لاي تشينغ تي، الذي جعل من تعزيز القدرات الدفاعية أولوية قصوى منذ توليه المنصب العام الماضي.

وتعتبر بكين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وتؤكد أنها ستعيد توحيدها يومًا ما، "بالوسائل السلمية إن أمكن، وبالقوة إذا لزم الأمر". 

أما تايبيه، فتتمسك بهويتها السياسية المستقلة وترفض أي سيطرة صينية، في حين تجد واشنطن نفسها بين التزاماتها الدفاعية التاريخية تجاه الجزيرة ورغبتها في تجنب مواجهة مباشرة مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

معركة النفوذ مستمرة

إلى جانب الملف الأمني، تطرّق ترامب إلى العلاقة الاقتصادية المعقدة بين البلدين، مشيرًا إلى أنه "من الأفضل أن تتفق الصين والولايات المتحدة بدلًا من الصدام"، في إشارة إلى الاتفاقات التجارية الجزئية التي تم التوصل إليها مؤخرًا.

أخبار ذات علاقة

مقاتلات F-16 V المطورة الأمريكية الصنع خلال عرض في تايوان

اضطرابات الإنتاج تؤخّر تسليم طائرات إف-16 الأمريكية إلى تايوان

لكنه شدد أيضًا على القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، خاصة في قطاع أشباه الموصلات.

ورفض الرئيس الأمريكي السماح لشركة "إنفيديا" ببيع الرقائق الأكثر تطورًا إلى الصين، قائلاً: "سنسمح لهم بالتعامل مع إنفيديا، ولكن ليس فيما يتعلق بالرقائق الأكثر تطورًا".

وأضاف أن النقاش مع شي تناول وصول الشركات الأمريكية إلى السوق الصينية، مع استمرار القيود على استخدام بكين للمعالجات المتقدمة ذات التطبيقات في الذكاء الاصطناعي والتقنيات العسكرية.

ويرى محللون، مثل وين تي سونغ من مركز الصين العالمي التابع للمجلس الأطلسي، أن عدم إدراج قضية تايوان في المحادثات بين ترامب وشي "يعكس انخفاض مستوى الثقة السياسية بين الجانبين". 

وأوضح أن "أي صفقة كبرى تتعلق بتايوان تتطلب قدرًا عاليًا من الثقة السياسية، وهو أمر غير متوفر حاليًا، ولا يُتوقع أن يتحقق في ظل إدارة أمريكية ذات نهج تفاوضي حاد".

توازن دقيق بين الردع والتفاهم

تكشف تصريحات ترامب عن استمرار النهج الأمريكي القائم على الردع الغامض، حيث توازن واشنطن بين تهديد الصين بالعواقب من جهة، والحفاظ على قنوات الحوار الاقتصادي والسياسي من جهة أخرى.

أخبار ذات علاقة

تشنغ لي-وون زعيم حزب الكومينتانغ المعارض في تايوان

"السلام بالقوة الناعمة".. تشنغ لي وون التي تولّت زعامة المعارضة في تايوان

وبينما تسعى إدارة ترامب إلى حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في آسيا، فإن الغموض المقصود يظل أداة أساسية لردع بكين دون إشعال مواجهة مفتوحة.

ومع تصاعد التوترات الإقليمية حول تايوان، يبدو أن العلاقات الأمريكية-الصينية ستظل محكومة بمعادلة دقيقة: لا حرب مفتوحة، ولا سلام مستقرا، بل إدارة حذرة لصراع نفوذ طويل الأمد في قلب آسيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC