اعتبر دبلوماسي عربي أن مجرد انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الأمريكية الإيرانية، التي جرت في مسقط، بالاتفاق على استئنافها الأسبوع المقبل، هو بحد ذاته "إنجاز يُسوّغ التفاؤل والبناء عليه".
وكانت الجولة الأولى من هذه المفاوضات، غير المباشرة، بوساطة وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البو سعيدي، استمرت أكثر من ساعتين أمس السبت.
وترأس الجلسة عن الجانب الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، فيما ترأس الجانب الأمريكي المبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف.
ووفق وصف الدبلوماسي العربي فإن "مبعث التفاؤل فيما أسفرت عنه الجولة الأولى، هو أن ما سبقها ورافقها من مطالب وتهديدات واشتراطات متبادلة، كان أشاع "بيئة سياسية تفتقد اليقين".
ويؤكد الدبلوماسي الذي عمل في طهران عدة سنوات في قراءة لـ "إرم نيوز": "كلاهما، الإدارة الأمريكية، والمرجعية الإيرانية، تمتلكان أجندة مُعلنة تنأى بعيداً عن أجندة الطرف المقابل".
ويضيف أن "الأولويات بالنسبة لكل منهما مختلفة، وكذلك هي أوراق القوة متفاوتة".
ولذلك، كانت أهمية الجولة الأولى من هذه المفاوضات تتمثل في أنها وضعت ورقة العمل المشتركة التي سيتم بموجبها برمجة الجلسات التالية.
ومجرد الاتفاق على استئناف جلسات التفاوض يعني النجاح في تدوير الروافع والعجلات، بغض النظر عما يمكن إن يطرأ من تعثر أو تبادل للتهديدات" وفق تعبيره.
ويشير الدبلوماسي العربي إلى أن "دول المنطقة تتابع المحادثات باهتمام من الدرجة الأولى كونها، وإن اقتصرت في عنوانها الرئيس على الملف النووي، إلا أنها، بالضرورة، تتضمن تفريعات تتصل مباشرة بالأمن الشرق أوسطي الذي لا يزال منفتحا على احتمالات حرب لا تستثني مشاركة إسرائيل".
كما لا تستثني الارتدادات التي تطال مختلف دول المنطقة في الإقليم النفطي وما يتجاوزه، بحسب تعبير المرجع الدبلوماسي.
ويستذكر في حديثه مع "إرم نيوز" أن "الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، كان انسحب، في العام 2018، من اتفاق سابق بشأن البرنامج النووي الإيراني - معروف، رسمياً، باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) كان أبرمه سلفه باراك أوباما في صفقة يعرف الجميع أنها تتقاطع مع أمن دول الجوار في الشرق الأوسط".
وبعودة ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، أبدى استعداده لإبرام اتفاق جديد مع إيران يحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة.
وفي 12 مارس/آذار الماضي،، وجّه رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، طالباً إجراء مفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد، ومهدداً بالعمل العسكري في حال رفض طهران.
ويخلُص الدبلوماسي العربي إلى القناعة بأن ظروف استئناف المفاوضات على النووي الإيراني، الآن، بضيافة مسقط، بغض النظر عما إذا كانت مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة ـ تعد أمراً بالغ الأهمية بالنسبة إلى دول الشرق الأوسط.
وتابع أن "الأهمية تنبع من زاوية أن ما سيتم بحثه والاتفاق أو الاختلاف عليه، سيكون بعلم دول الجوار وليس من وراء ظهرها، كما كان حصل أيام الرئيس السابق باراك أوباما" وفق تعبيره.
ويقرأ المحلل السياسي جمعة سليمان النسعة، في خصوصيات مفاوضات النووي الإيراني، أن "كلا الطرفين يزعم أنه يملك أوراق القوة والتفوق في المحادثات".
وبمراجعة كشوف التهديدات المتبادلة، يشير النسعة إلى أن "إيران تتمتع بميزة إستراتيجية في المفاوضات من خلال 3 عناصر رئيسة وهي: حصر المحادثات في الملف النووي، وتحديد مكان انعقادها، والإصرار على المحادثات غير المباشرة".
وفي ذلك فإن مساحة مناورة إيرانية تسمح لها بالانسحاب دون تكلفة كبيرة إذا حاولت واشنطن إثارة موضوعات غير ذات صلة مثل القدرات الدفاعية الإيرانية أو القضايا الإقليمية.
في المقابل فإن أوراق القوة في الأجندة الأمريكية لمفاوضات النووي الإيراني تبدأ من رجحان قوة النار الأمريكية.
وبعدها تأتي المرجعيات التي يعتمدها ترامب وهو يرفع شعار "السلام بالقوة"، وصولاً إلى القناعة بأن إيران تحت ضغط الحصار الاقتصادي والضربات العسكرية الإسرائيلية، وصلت الآن، إلى مرحلة من الانكشاف تجعلها مستعدة للتسويات والتنازل في نهاية المطاف.
وبتقدير النسعة، فإن الأهمية الراجحة لجولة المفاوضات التي انطلقت ببدايات مبشّرة، "لا تتمثل بموضوع النووي الذي يبدو مفروغاً منه، وإنما في الملفين الآخرين المتصلين به وهما البرنامج الصاروخي الباليستي، وموضوع النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال الميليشيات المسلحة التي تتوزع بين لبنان والعراق واليمن".
وأكد أن "أي تحسن أو تدهور في العلاقات الأمريكية الإيرانية، تخلص إليه مفاوضات مسقط سينعكس بشكلٍ مباشر على مجمل الأوضاع الإقليمية".